الكابتن شيخ الدين محمد عبد الله يحلق بنا في عالم الطيران المثير ويقول: سقوط الطائرات إما نتيجةً لخلل بالطائرة أو عيب في المطار أو بفعل الطبيعة أو الطاقم(1)
صحيفة أخبار اليوم – حاوره: أحمد التاي – تصوير: رضا حسن
[ALIGN=JUSTIFY]في هذا الملف الذي نفتتحه بحوار استثنائي مع رجل استثنائي في عالم الطيران الذي يعمل الآن في بلادنا في ظروف استثنائية، في هذا الملف نتناول حوادث الطيران، أسبابها وتداعياتها وملابساتها ووسائل المعالجة من أجل التقليل منها وتخفيف وطأتها المأساوية المروعة.
في هذا الحوار الذي أجريناه مع الكابتن الشهير شيخ الدين محمد عبد الله مدير عام شركة أبابيل للطيران بمكتبه بالخرطوم تحدث لنا الرجل بلغة الأرقام وحكمة الأعلام وموضوعية العلماء ومنهج الحكماء عن ملابسات سقوط الطائرات وإجراءات السلامة والقوانين التي تحكم الطيران في العالم والمواصفات العالمية للمطارات الدولية وصلاحية الطيران، وباختصار كشف أوجه الغموض في عالم الطيران المثير والأكثر غموضا، فإلى هذا الحوار المثير :-
ü عندما يشعر كابتن الطائرة بخطر ما يحدق بطائرته، كيف يتعامل مع برج المراقبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وما هي الخطوات والضوابط المتبعة في ذلك لتقليل المخاطر؟
– أولا أريد أن أقول لك إن الطيران من الأشياء التي يمكن أن يقال عنها أنها تتميز عن غيرها بقوانين شاملة راعت كل شئ، وقوانين الطيران ليست محلية بل هي عالمية وفقا للمنظمة العالمية للطيران، وهي التي تضع القوانين الخاصة بكل الطيران في العالم وتضع الحد الأدني وبعد ذلك تتيح فرصة للبلدان إذا كانت تريد أن تضيف ما تراه أفضل للسلامة في البلد المعني، لكن هذه الدول لا تعمل بأقل مما وضعته المنظمة، لذلك الطيران في العالم منظم جدا ويخضع لقوانين صارمة راعت كل مطلوبات السلامة، ومناهج الطيران في كل العالم تكاد تكون متشابهة خاصة في ما يتعلق بالخطر ووسائل السلامة ونحو ذلك.
أما الحديث عن التعامل مع الخطر، فأقول الخطر نفسه مقسم الى أقسام، فهناك ما هو خطر وما هو أكثر خطورة وما يمكن أن يقال عنه أقل خطورة، وفي الأخيرة هذه يمكن للكابتن أن يتصرف لوحده لتفادي الخطر أو على الأقل التقليل من مضاره، أما الأشياء الأكثر خطورة لا شك أن الطاقم يحتاج الى مساعدة، خاصة وهو طائر في الجو، وقيادة الطائرات محكومة بقوانين وهي ليس بالمزاج كما يفعل أي فرد وهو يقود عربة، فالكابتن يضع خطة للطيران، وحتى الشركة قبل فترة كافية تضع جدولاً ثم تقدمه لهيئة الطيران المدني لإجازته، وبعد ذلك يجاز.
ü وكيف تتم الإجازة وبأي نوع من الضوابط والإجراءات؟
– إذا كان الطيار يريد مثلا الذهاب للقاهرة فهو لابد أن يقدم خطته، وهذه الخطة تجاز على ضوء ما في القاهرة، وهيئة الطيران المدني تجيز على ضوء خطة متكاملة فيها وسائل السلامة والتأكد من الفحص وما إلى ذلك من الإجراءات، وهذه الأشياء كلها تتم بتنظيم دقيق جدا.
ü إذا أردنا أن تضع حادثة سقوط طائرة الايريص الأخيرة على ميزان هذه المعايير التي ذكرتها .. ماذا تقول عن هذه الحادثة، هل حدثت إخفاقات ظاهرة في تقديرك؟
– طبعا ما ممكن أن يكون هناك تحضير لكل طائرة تريد القيام أو الهبوط بأن تجهز كل الأدوات، والشئ الوحيد الذي يمكن تجهيزه هو (الطفاية) فهناك حوادث تحصل بصورة مفاجئة، ولو لاحظت عربة المطافئ هي الوحيدة التي تكون موجودة في كل الأحوال، لأن الحريق هو الأخطر والأشياء الأخرى قد تكون مقدوراً عليها.
ü لكن هذه الطائرة التي نتحدث عنها هبطت والنار اشتعلت فيها في الوقت الذي لم يكن هناك قدر من التعامل المطلوب في إطفاء الحريق؟
– لا لا أنا أقول لو أنك أعلنت الخطورة والاسعاف أصلا موجود ولا يمكن لكل طائرة تريد الاقلاع ان تحضر عربات الإسعاف وغيرها، الشئ الضروري كما ذكرت لك هو (الطفاية) مثلا إذا شاهدت أي طائرة تحمل بترولاً مثلا تجد عربة المطافئ بجانبها، وإذا كل طائرة تحضر لها هذه الأشياء في كل مرحلة لا تكون هناك سلامة أصلا، أنا أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، هناك ضوابط موجودة وهناك وسائل سلامة، وأنا أعتقد أن إجراءات السلامة الموجودة ليست موجودة في أي مجال ثان، ومثل هذه الحوادث تحصل، مثلا هذه الطائرة عدد ضحاياها (30) شخصاً .. ويمكن أن ينقلب (بص) أو يصطدم ويؤدي الى وفاة (30) أو (100) مثلا.
ü نعود الى السؤال ونقول إن وسائل الإطفاء لم تكن على النحو الذي كان ينبغي أن يكون عليه الحال؟
– (مقاطعا) : أنا أقول إن الطاقم الفني لم يُعلن، وفي القانون اذا أخطر طاقم الطائرة البرج بأن خطراً ما يحدق به حتى وإن كان في الأجواء، في هذه الحالة كل الأنظار تلتفت اليه وتتجه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي عالم الطيران هناك (كود) اسمه (ميدى) فإذا قلت (ميدى، ميدى) كل المحطات تفتح الموجة التي تعمل بها تلك الطائرة التي أعلنت (الميدى) وذلك لمساعدتها لأن الكابتن ربما يكون بمكان المطار لن يسمعه منه، ولذلك كل الطائرات في الجو تتجه نحوه، وإذا حدث أن وقعت الطائرة التي يحدق بها الخطر في الخلاء كل الطائرات تحاول أن تعرف مكان وقوع الطائرة لتخطر بوقوع الطائرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي المطار يكون الإسعاف متواجداً في مكانه المخصص، لكن ما ينبغي أن يكون متواجداً على الدوام هو عربة المطافئ، وقد تكون هناك سخونة أكثر من اللازم تتسبب في الحريق، لذلك فإنه لابد من تواجد عربة المطافئ بالضرورة دائما، أما الطائرة المعنية فلم تعلن، فهي طائرة سفرية عادية ذهبت الى دمشق وجاءت الى الخرطوم وكانت هناك أمطار، ولما وجد الأحوال لا تسمح بالهبوط ذهب الى مطار بورتسودان وهذا من حق الكابتن إذا وجد المطار لا يسمح يمكن أن يذهب الى المطار المناوب وقد فعل، وهذا التصرف في إطار القوانين، هذا المطار المناوب تتزود منه ما يكفي باعتبار أنه يمكن أن يطير في الجو لمدة نصف ساعة أو أكثر وما يكفي للعودة مرة أخرى، وهذا ما حدث، ولابد أن يكون هناك احتياطي يقدر بـ 5% من بترول الطائرة، فالمسألة منظمة ومحكمة في إطارها العام، لذلك ذهب الى بورتسودان وإذا لم ينزل في بورتسودان كان يمكن أن يهبط في جدة لأن جدة بها أكثر من مدرج وهو أحدث من مطار بورتسودان بكل المقاييس، ومن بورتسودان سأل وقيل أن الطقس سليم فتحرك وقد قيل له أن هناك طائرات هبطت لكن قد تكون هذه الطائرات التي نزلت في مطار الخرطوم وقتها طائرات صغيرة، لذلك جاء وهبط ومع ذلك هو لم يعلن عن وجود خطر ما، فهذا ما نستطيع أن نقوله الى أن تظهر نتائج التحقيق وهي بالتأكيد ستكشف كل شيء.
ü أسالك بصورة عامة، كيف تحدث مثل هذه الإنفجارات، وما هي أسبابها عادة؟
– هناك مجموعة كثيرة من الأسباب التي تؤدي الى حدوث إنفجارات داخل الطائرات مثلما حدث، أولا هذه الطائرة مثلا تحمل أكثر من 20 طنا من البترول من بورتسودان، وهذه كمية كبيرة وعادة مثل هذه الحوادث تحصل لأربعة أشياء إما أن يكون خللا في الطائرة أو الظواهر الطبيعة (المناخ) أو الخلل في المطار نفسه، وما لم تكن هناك أجهزة ملاحة تساعد الطائرة في الهبوط ستكون الطائرة معرضة للحوادث، وبالتأكيد أي طائرة تحتاج الى مدرج صالح للاستخدام، وتحتاج كذلك لإنارة جيدة، ولابد أن يكون المدرج مسفلتا بطريقة جيدة أي مهيأ بالأجهزة المطلوبة تماما، والعنصر الرابع هو العنصر البشري.
ü بمناسبة العنصر البشري هناك تقارير علمية تقول إن 53% من حوادث الطيران خلال نصف قرن سببها العنصر البشري (طاقم الطائرة) ما تعليقك؟
– هذا صحيح وأكثر من نسبة الـ 53% التي ذكرت أكاد أجزم بأن النسبة تزيد، وفي كثير من الأحيان العنصر البشري يكون السبب الأكبر، فالانسان كما تعلم مهما تدرب ومهما تأهل فإنه عرضة للخطأ، فهناك مشاكل عائلية لدى الإنسان وهناك الشواغل الأخرى، والتفكير والمرض والخوف والارتباك، هذه كلها موجودة لدى الإنسان، ولهذه الأسباب كانت الأسباب الأكثر متعلقة بالطاقم، وهناك أناس قد يضطربون لأي سبب من الأسباب، لذلك أي من هذه الأشياء قد تكون سببا في سقوط طائرة ونحوه أو قد يكون شيئا مشتركا بين العوامل الأربعة أو اثنين منها، وربما يكون أحيانا لا يوجد توافق بين الكابتن ومساعده.
ü هل تعتقد أن هناك قصورا يتعلق بالتدريب والتأهيل لهذا العنصر البشري؟
– بالمناسبة الطيارون مهما كانت درجاتهم وخبراتهم يخضعون للتدريب بعد كل ستة أشهر وأحيانا بعد كل ثلاثة أشهر، أنا أقول ذلك وعملت في هذا المجال لمدة 40 عاما، وحتى المدربين أنفسهم يخضعون لهذا البرنامج مثل ما يخضع الطيار العادي، والشهادات يتم تجديدها كل 6 شهور ويكون التجديد بكشف طبي للقلب والدم والبول والسكري والنظر، والذي تصل أعمارهم لـ 60 سنة يكون التجديد والفحص بالنسبة لهم كل 3 أشهر.
ü هناك حديث عن وجود ما يشبه الفوضي او التساهل في منح رخص قيام شركات الطيران بشكل لا يتطابق مع المواصفات والضوابط والشروط العالمية، بم تعلق؟
– هناك تدقيق وهناك عناصر مهمة جدا اذا لم تتوفر لن تحصل على رخصة إطلاقا، أولا لابد أن يكون هناك مدير للشركة وليس بالضرورة أن يكون طياراً على الأقل مقتدر في الجانب الإداري ومهم جدا أن يكون هناك إدارة عمليات من طيارين ممتازين ومهندسين ومضيفين وإدارة هندسية والعنصر المهم في هذا الجانب هو الطائرة والذي يقود هذه الطائرة وهذه أهم الأشياء، أما الباقي فهو مسألة تسويق واعتقد أن إجراءات الحصول على الرخصة مسألة صعبة جداً وفيها إجراءات صارمة جداً.
ü ما هي الجهة المسؤولة عن التأكد من سلامة هذه الإجراءات ومن ثم منح الرخصة؟
– الجهة التي تمنح الرخصة هي الطيران المدني، فهي الجهة المنوط بها إعطاء الرخص التجارية بعد هذه الضوابط، ويطلب من الشركة أن يكون لديها مرشد للهيكل والعمليات والكباتن ومستوياتهم وساعات راحاتهم والتدريب، فهناك قسم متعلق بالطيارين وآخر متعلق بالعمليات في الأرض وكذلك الهندسة، وفي كل قسم مرشد، إذاً هناك عملية طويلة من الإجراءات والشروط والمسألة ليست كما يتصورها الآخرون، ولابد أن يكون الطاقم والمهندسين مؤهلين تماما، وكل هؤلاء يدرسون في معاهد وكليات معترف بها عالميا، فمثلا نحن درسنا في انجلترا وحتى شهادتنا كنا نجددها في انجلترا عندما كان التجديد غير متاح هنا في السودان.
ü لكن كثرة الحوادث والحديث عن الأعطاب الفنية يحمل الأذهان الى وجود التساهل الذي..!!
– (يقاطع) : لا ليس هناك تساهل، هناك إجراءات وشروط صارمة، هناك هيكلة الإدارة والهيكلة الفنية والمقدرة المالية وبعد هذه الأشياء كلها أي شركة تخضع للتفتيش وتعطي شهادات للمكاتب وكل الأشياء تفحص وهناك شهادات يتم تفتيشها، وبعد ذلك تخضع إدارات هذه الشركات لنقاش واسئلة من قبل المفتشين، وأضرب لك مثلا هناك 30 شركة تقدمت للعمل لكن يوجد منها 4 فقط عاملة الآن.
نواصل ..
ü في الحلقات القادمات :
الكابتن شيخ الدين يتحدث عن عدم مطابقة مطار الخرطوم للمواصفات العالمية وقصور وسائل السلامة الجوية للمطار.. تداعيات الانفجار الذي حدث في طائرة الايربص وأسرار وخفايا في عالم الطيران تنشر لأول مرة. [/ALIGN]