رأي ومقالات

هادية قاسم المهدي : الأدب النسوي.. حينما يكتب الرجل بلسان المرأة !!

[JUSTIFY]حينما يتقمص الكاتب دور المرأة فيكتب بلسانها ادق التفاصيل الانثوية ينتج عملاً ابداعياً نسائيا او بما يعرف «ادب نسوي»، فقد يكون قد انجز عملاً مميزاً او ربما اخفق فيه. وهنالك من يعرف مصطلح الادب النسوي بأنه «الأدب المرتبط بحركة تحرير المرأة وحرية المرأة وبصراع المرأة الطويل التاريخي للمساواة بالرجل».
وقد ظهرت تسميات أخرى للأدب النسوي ابتكرها الغرب ووصلت إلينا، إذ ظهرت في السويد تسمية هذه الكتابات بأدب «الملائكة و السكاكين»، وهو ما قلده أنيس منصور حين أطلق على ما كتبته المرأة «أدب الأظافر الطويلة»، كما سماه إحسان عبد القدوس «أدب الروج و المانكير» إذ رأى فيه أدباً صوتياً وشكلياً تعتني المرأة فيه بالتأثير الرنيني والتخيلي عن طريق اختيار الجملة والعبارة دون التدقيق في الموضوع.

فالكاتب الكبير يوسف السباعي عُرفت عنه الكتابة بلسان المرأة فمثلاً روايته «إني راحلة»، كانت خطوة فارقة على طريق الأدب النسوي بشكل عام لأنه يتحدث عن مشاعر امرأة حقيقية، وهو نفس الأمر مع ماريو فارغاس يوسا في «شيطانات الطفلة الخبيثة». «نجوع» وقفت لدى الامر مستطلعة بعض المهتمين من الكتاب والنقاد فخرجت بالحصيلة التالية:

د. إبراهيم اسحق قال: ان يكتب مبدع نصاً يعْبُر فيه من جندر الى جندر هو شيء من الناحية النظرية معقول جداً. فالاساس في فن السرد ان تكون للمبدع تلك القدرة على تمثُّل الشخصية التي يحكي عنها، بحيث تأتي هذه الشخصية متكاملة وواسعة وتشبه الانسان الذي يعرفه الناس، وقد يستطيع القارئ ان ينظر إلى شخص ما ويقول هذا شخص «زورباوي» اشارة الى رواية «زوربا»، كما أن فن صياغة الشخصية من خلال الراوي هو نفسه جديد على السرد، ولم يدخل بطريقة واسعة للادبيات الا في الخمسينيات من القرن العشرين. وهذا يعني انه قبل ذلك كان السارد يحكي بلسان الراوي العليم، وهو شخص مجهول وقد يخلط القراء بينه وبين الكاتب. وفي تلك الأحوال لم تكن هنالك مشكلة جندر، فإما أن يملك السارد القدرة على تصوير الرجال والنساء بمقدرة، او يفشل في ذلك، وبهذا فإننا نعتبر ان الرواية بلسان أحد الجندرين تضع تحدياً كبيراً على السارد بحيث يطالبه القراء بالانصاف والدقة اذا كان الراوي امرأة او رجلاً، واذا كان هنالك تقاطع ام استواء.

أطروحة أنثوية
د. مصطفى الصاوي أكد أن الرواية النسوية هي رواية اطروحة تتعلق بالمرأة ومكانتها وتمكينها، على هذا الاساس يمكن ان يكتب رجل هذه الاطروحة. واضاف أن لدينا في السودان الراحل ابو بكر خالد الذي كتب «القفز فوق حائط قصير» وجلها دار حول المرأة ومعاناتها وخروجها للعمل في فترة الستينيات من القرن الماضي. كذلك نجد الروائي المصري صنع الله ابراهيم في روايته «ذات» التي حققت نفس الأفق السابق، ويوضح الصاوي قائلاً: تجدني دائماً اقرُ بما يسمى الرواية النسوية او الادب النسوي، لأن هذا على المستوى الاول شكل من اشكال تمكين المرأة، وعلى المستوى الثاني ان هنالك حركة نقدية طويلة جداً لها اسهاماتها وتنظيرها في هذا الصدد، لأن النساء حاولن ان يتخطين ذهنية الرجل في ان يكتب تاريخ المرأة او يعلق على اعمالها، حيث لن ينظر اليها الا من خلال «ست البيت او الملاك او الجميلة، وما الى ذلك». ويختم الدكتور حديثه بأن في السودان تراكم روائي في اتجاه نسوي واضح، فأول الروايات السودانية التي خطاها يراع المبدعة ملكة الدار محمد كان اسمها «الفراغ العريض» وهذه رواية أطروحة نسوية من الطراز الأول.

مدرسة غربية
الاستاذ الناقد عز الدين ميرغني اوضح في حديثه مع «نجوع» ان الادب النسوي مدرسة غربية، حتى ان هناك جائزة تسمى جائزة «البوكر للرواية النسائية»، بمعنى انها تتنافس فيها الروائيات فقط، وهذه المدرسة تنادي بأن تعبر المرأة عن نفسها ولا تترك الفرصة للرجل ليكتب بالنيابة عنها، كما ان الرجل كان يكتب عن المرأة بالوكالة، وهناك اشياء لا يستطيع ان يعبر عنها الرجل خاصة في ما يخص المرأة شخصياً، فمثلاً لا يستطيع ان يكتب الرجل عن «الولادة وحب المرأة للرجل»، فهذه المدرسة تقول إن خير من يكتب عن المرأة هي المرأة نفسها، ومن هنا انطلقت كلمة الادب النسوي ولا يقصد منه ان كتابات المرأة اقل من كتابات الرجل، ولكنها يجب ان تكون حرة في التعبير عن نفسها وبلغتها الخاصة، لأن اللغة كما يقولون احتكرها الرجل طويلاً ومازال، فيجب أن تكون للمرأة لغتها الخاصة، وهذا هو الادب النسوي.

نماذج عديدة
الأستاذ ابو عاقلة ادريس قال في حديثه: الأدب النسائي عندما يبدعه رجل شرقي فإنما يمثل إبرازاً لصوت القهر الاجتماعي والتخلف حينا والتغنج حيناً آخر، وقد تقصد به المعالجة الجادة لقضايا المرأة الإنسانية والاجتماعية مستهدفة الفن ذاته، وهنالك نمازج متعددة لأدب نسائي بصياغة رجل في القصة والرواية والمسرحية عبر الابطال والشخوص مثل «إني راحلة» و «نادية» للكاتب يوسف السباعي، وحفظ تاريخ الشعر العربي الحديث صياغات الادب النسائي الذي كتبه كاتب رجل بلسان انثى، فنصوص الشاعر السوري نزار قباني المتمردة في دواوينه الاولى : «صوت من الحريم»، «فاطمة في ساحة الكونكورد» وقصيدة اخرى «هكذا اكتب تاريخ النساء» فهو يقول مثلا على لسان امرأة:

متى ستعرف كم أهواك يا رجلا
أبيع من أجله الدنيا وما فيها
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس في كفيك أرميها

في ديوان الشعر السوداني ينحو سيد أحمد الحاردلو منحى نزارياً، ففي صوته الجهير تهمس انثى في نبرة خافتة، وذلك في قصيدته «صلاة إلى سرير».

وختم أبو عاقلة قائلاً: الأدب الإنساني في عمومه يشترط فيه كي يؤثر وكي لا يغير لازمة الصدق النفسي والفني، وبغير ذلك الصدق يكون الأدب بهرجة وزخرفة شكلية فارغة.

صحيفة الإنتباهة
هادية قاسم المهدي
ع.ش[/JUSTIFY]