منوعات

كاتمو أسرار الناس وكاتبوها.. “لولا المشقة لتركناه

[JUSTIFY] أغلبهم من كبار السن يبكرون عند كل صباح حاملين ما يكفي من الورق الأبيض، يجلسون قبالة النيابات والمحاكم والدوائر الحكومية، ينتظرون زبائنهم، ثم يستمعون إلى مشاكلهم بصدر رحب، وبال طويل وأذن صاغية، يلخصونها في جمل إنشائية ونقاط قانونية، إذ يتمتعون بثقافة قانونية عالية تقترب بهم كثيرا إلى المحامين، إنهم العرضحالجية، وهي مهنة امتهنها الكثيرون مجبرين فلم تكن خيارهم ولا طموحهم، ولم يكونوا يتصورون أن تكون مصدراً لرزقهم، ولكن ظروف الحياة أجبرتهم على ذلك، فمهنة (العرضحالجي) مشتقة من كلمتي (عرض الحال) أي عرض الخلافات وكتابتها بأسلوب قانوني مؤثر وبسيط قبل تقديمها للمحكمة.
نشأت هذه المهنة بداية في سوح المحاكم، لكنها سرعان ما انتشرت قرب الدوائر الحكومية الأخرى حتى صار ممتهنوها يشكلون جزءاً من عمل المؤسسات الحكومية التي خصص بعضها مكانا لجلوسهم لمساعدة المواطنين على إجراء معاملاتهم بشكل مبسط دون الحاجة إلى التوهان في دهاليز الدوائر الحكومية وعدم الحصول على نتيجة مرضية.
لم نردها مهنة
نصرالدين أحمد – عرضحالجي – بنيابة قسم سوق ليبيا قال لـ(اليوم التالي): عندما كنت في الثانوي رأيت أنسب مهنة هي الكاتب كي أوفر جزءاً من المبلغ، امتحنت ولم أوفق في دخول الجامعة، منذ 1981 أعمل ككاتب عرائض متأسفا على أنها أصبحت لنا مهنة، وعن المهنة في حد ذاتها قال: نحن نلخص كلام الشاكي في نقاط قانونية وتقدم للقضاء منذ 1980 إلى 1990م تحولت إلى التحري ومن ثم القضاء ومنها للفصل وهذا في المحاكم الجنائية، أما المدنية كإيجار البيوت والديون وغيرها إذا أخل طرف ما باتفاق ويقدم عريضة ويفتح أيضا بلاغاً مرفقاً صورتين مع اسم المدعي وعنوانه ضد المدعى عليه مع بقية تفاصيل العريضة ترسل إلى المحكمة الجزئية وتحول للقضاء كما يتم نسخها في صورتين.
العريضة لا تكون إنشائية كي لا ترجع لتصاغ من الأول، وأخيرا الأحوال الشخصية مثل الطلاق والميراث والأحكام الشرعية، فمثلا النفقة تكتب العريضة الزوجة كمدعٍ والزوج كمدعى عليه، وتضم عدد الأبناء والزمن الذي توقف فيه عن النفقة عليهم يطلب الزوج ومستوى دخله.
أطلق الأمر للكل
تكتب العريضة في ورقف فلسكاب عادي ملصق عليها دمغة، مضيفا: نحن نختلف عن المحامين لأن المحامي لابد أن تكون لديه ورقة مروسة، لكن نحن ككتاب عرائض يوجد لدينا تواصل مع النيابة والشرطة مباشرة في عمل متكامل. وأشار إلى أن هناك حالة تستعصي كتابتها مما يضطر الفرد منا الدخول للقاضي للاستعلام عنها وعن طريقة كتابتها. وأورد: في السابق كان هناك تصديق للعمل ككاتب عرائض كان الإذن من القضاء تحول للمحلية التي تمنحك الرخصة لفترة طويلة استمرت وكانت تجدد كل سنة، ولكن الآن يمكن لأي شخص أن يكتب عريضة، فأطلقت الحرية وصار الأمر بين القضاء والعدل والكاتب.
مهنة كاتب العرائض صارت مفتوحة لأن الدخل بسيط فعندما بدأت كانت بجنيه ارتفعت إلى خمسة وعشرة ثم استقر سعرها الآن عشرين جنيهاً منها (13) جنيهاً للدمغة التي ارتفع أيضا سعرها إلى خمسة جنيهات، مبينا أنهم يشترون الدمغات من الضرائب.
نريد أكشاك كوقاية
يجلس بجانبه مجذوب وهو أيضا عرضحالجي مقاطعا نريد أكشاكاً تقينا من حر الصيف، وفنحن نقضي كل يومنا تحت الشمس مما أضطر لاستبدال المظلة في كل موسم وأحيانا استبدلها في الموسم الواحد إذا ما تتعرضت للتلف خاصة في موسم الصيف، حيث تشتد الحرارة ويصبح الجلوس تحتها معضلة كبيرة نجبر على تحملها لتوفير الرزق، مضيفا: رغم أن الدخل ضعيف إلا أنها في أيام أخرى تجني لنا مالا كثيرا، مشيرا إلى أن مهنة كاتب العرائض من المهن المساندة لمؤسسات الدولة.
كما نعاني أيضا من رد العريضة لإعادة صياغتها من جديد، وهذا يكلف الكثير من الجهد والوقت. وأضاف أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الدمغات التي توقف العمل أحيانا علما بأن هناك مواطنين لا يمكنهم سداد العشرين جنيها.
تعد مهنة كاتب العرائض إحدى أقدم المهن، فقد شهدت المحاكم المكان الأول لظهور هذه المهنة، كما تعد مهمة لبعض المواطنين الذين يعتبرونها حلقة وصل بينهم وبين الدوائر الحكومية كما يتخذها البعض دليل يسير به حتى ينتهى من أمره، كما أن وجودهم بالقرب من النيابة والأقسام يجعلهم على دراية بأفضلية المحامين والقضاة، بجانب هذا يعدون من الفئات المثقفة قانونيا ومنهم أيضا خبرات في القانون والميراث مما يسهل عليهم عملية كتابة العريضة.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]