الطاهر ساتي

ح ندعم الفقراء

[JUSTIFY]
ح ندعم الفقراء

:: ومن وقائع الأسبوع الفائت التي وثقتها شبكة السوداني يوم الخميس الفائت، بعد إزالة سوق حلايب بأمدرمان، عقد محمد عبد الرحمن العمدة معتمد كرري لقاء تفاكريا مع بعض اللجان والمواطنين لمناقشة قضايا محليته..وفي اللقاء، أجهش أحد الأطفال بالبكاء قائلاً بصوت عال : ( نحن فقدنا الدكان البنعيش منو، وما عارفين أنا وأمي نعمل شنو؟)، إذ كان للطفل و والدته دكاناً بسوق حلايب وأزالته بلدوزرات المحلية..وكان رد فعل المعتمد العمدة سريعاً وإيجابياً أمام الحدث المؤثر، إذ تعهد بكفالة أسرة الطفل بمبلغ شهري قدره (1.200 جنيهاً).. جزاه الله خيراً وإحساناً، ( ما قصر)..!!

:: وتعيد تلك الواقعة إلى الذاكرة واقعة أخرى حدثت بالخرطوم عندما كان الدكتور المتعافي والياً عليها..صعد أحد المواطنين إلى سطح برج البركة، وأقسم ألا ينزل ما لم تحل الحكومة مشاكله التي من شاكلة إيجار المنزل ورسوم المدارس وغيرها، هذا أو الإنتحار.. فتدخلت الشرطة وفاوضته بحكمة حتى توصلت معه إلى إتفاقية ( النزول مقابل القروش).. وفي صحف اليوم التالي للحدث، تعاطف معتمد الخرطوم مع حال هذا المواطن مصرحاً بالتزامه بحل قضاياه و تسديد ما عليه من ديون .. فكتب الإعلامي الساخر صلاح التوم من الله ساخراً : (خلاص كلنا ح نطلع البرج)..!!

:: و لو لم يتوقف صلاح التوم عن الكتابة، لكتب عن بكاء هذا الطفل وموقف معتمد كرري قائلا : (خلاص كلنا ح نبكي قدامكم)..نعم، فالسواد الأعظم من المكتوين بنار علي محمود و إخوانه يبكون دماً ودموعاً خلف جدران منازلهم من وطأة الغلاء وتكاليف العلاج والتعليم، وليس في جيوش الولاة والوزراء والمعتمدين فاروقاً يتفقد ليلاً ويعرف سر البكاء.. فالوسادة والليالي وحدها هي الشاهدة على دموعهم وحيرتهم..وعلى سبيل المثال الراهن، كان على معتمد كرري أن يسأل نفسه إن كان هذا الطفل الباكي وحده هو ضحية إزالة سوق حلايب أم هناك آخرين توسدوا دموعهم و إلتحفوا أحزانهم – بعيداً عن قاعة اللقاء التفاكري – من أثر إزالة السوق ؟..وبالإجابة، كان سيجد حلاً لهؤلاء الحيارى غير (الإزالة)..!!

:: والجدير بالإنتباه في زمن السياسات المدهشة، أن الولاة – ووزير المالية – هم أكثر المسؤولين حديثاً عن ضرورة دعم الفئات الفقيرة، بل بهذا الدعم يبررون ما سيحدث لأسعار السلع والوقود بعد رفع الدعم عنها.. ولكن – في الواقع، وبياناً بالعمل – هم أكثر المسؤولين إرهاقاً وسحقاً لهذه الفئات الضعيفة ..نعم، في بلادنا تتفاجأ الأم ببلدوزر المحلية ، ويبكي طفلها أمام المعتمد على فقدانهما مصدر رزقهما، أوهكذا الدعم الحكومي لهذه الفئة الفقيرة..ويتفاجأ صبي الدرداقة بأنه ملزم بأن يدفع لشركة أحد النافذين بالمحلية رسوماً قدره عشرة جنيهات يومياً، وممنوع من امتلاك الدرداقة التي لاتزيد سعرها عن المائة والخمسين جنيهاً، أوهكذا الدعم الحكومي لهذه الفئة الفقيرة ..وفي بلادنا تتفاجأ ست الشاي – و قد تكون أرملة وأماً ليتامى – بعربة الشرطة تحاصرها وتصادر عدتها لتدفع غرامة تتجاوز أحياناً المائة جنيهاً، أوهكذا الدعم الحكومي لهذه الفئة المسحوقة..!!

:: نعم، في بلادنا وحدها تلزم سلطات الدولة الفئات التي تستحق الزكاة والصدقات بدفع الرسوم والغرامة لتحقيق الربط المقدر للمحليات و حوافز العاملين عليها ونثريات مكاتبهم..مؤسف والله ومحزن للغاية أن أكثر من الف وخمسمائة طفل بأسواق الخرطوم المركزية، تعاملهم المحليات وشركات النافذين كما الأرقاء في زمن العبودية، (10 جنيه، رسوم درداقة يومياً)..هؤلاء كانوا يجب أن يساقوا إلي المدارس ومعاهد التأهيل والتدريب ليكون مستقبلهم أفضل من حاضرهم..ولكن، من عليه فعل ذلك – و هو المسمى مجازاً بالمسؤول – لا يفعل ذلك ولا يدعهم ( يأكلوا من خشاش الأرض)..بل، يستغل حاجتهم إلى الحياة ويسترقهم بواسطة شركات السحت، ثم يخرج للصحف متنطعاً : ( ح ندعم الفقراء )..الفقراء هم الذين يدعمون – بكدهم وعرقهم – خزائنكم، ليتداوى المسؤول منكم بألمانيا و ليتعلم ابنه بماليزيا ثم ينكح ما طاب له من المثنى واثلاث ورباع، أي بعدد مزارعه وشركاته وقصوره..ولكن وعد الله حق، والفقراء – مع الآخرين – يترقبون في المفسدين خزي الدنيا قبل ندامة الآخرة ..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]