الجوال صار دجال
سأموت وفي نفسي شيء من الهاتف الجوال الذي هو الموبايل الذي هو السيل فون الذي هو الخليوي (من خلِّية) الذي هو المحمول الذي هو النقال.. وعلمتنا تجارب الحياة ان أي شيء متعدد الأسماء لا يخلو من دهاء، فالزوجة هي المدام والقرينة والبعلة والعقيلة والنصف الحلو و«الجماعة» و«الأهل» والهانم، وكان أسوأ ما في الهاتف النقال انه سهل على الآخرين اصطيادك، ما لم تكن مثل الأديب السعودي الدكتور أنور الجبرتي، الذي تتصل به مهنئا بدخول شهر رمضان فيرد عليك مهنئا بحلول عيد الأضحى.. ثم جاء الهاتف ابو كاميرا، وانقلبت مناسبات الأفراح الى معارك للمصارعة غير الحرة، كلما يتم ضبط سيدة أو شاب متنكر في ملابس سيدة وهو يلتقط صور المدعوات لشيء في نفس بعقوبة (لا توجد صيغة مؤنث لـ«يعقوب»، وكما نعرف فإن بعقوبة بلدة عراقية تمارس فيها أطراف مجهولة ومعلومة الغدر بالآخرين).. وقبل سنوات قليلة ظهرت تقنية جديدة تستخدم الأشعة السينية في كاميرا الجوال، وتلتقط لك صورة وأنت تلبس ملابس شتوية ثقيلة فتخرج الصورة وأنت بلا ملابس.. يعني تنفضح وأنت «مستور» وفوقها جسمك يتشبع بالأشعة، واليوم أحدثكم عن تقنية جديدة طرحتها شركة سيميدا الالمانية، من اختراع الروماني ليفيو توفان.. إنها تقنية تناسب بلداننا وستجد عندنا رواجا منقطع النظير لأنها مفيدة في الزوغان والكذب على رؤساء العمل.. هب أنه كان من المفروض ان تكون في مكتبك في السابعة صباحا، ولكنك استيقظت على رنين الهاتف الموبايل في التاسعة، ووجدت السيد المدير يسأل عن سبب تأخيرك، كل ما عليك أن تفعله بمجرد ان ترى رقم المدير على الشاشة هو ان تضغط على زر معين فتنطلق أبواق عشرات السيارات وتولول سيارات الإسعاف والنجدة، بحيث تغطي على صوتك المتقطع بسبب تأثير النوم، والطبيعي في حال كهذا ان ينزعج المدير ويسألك: عسى ما شر؟ وش اللي حاصل؟ فتقول له إنك كنت تقود سيارتك متجها الى العمل في السادسة والنصف صباحا (وهو الموعد الذي ذهبت فيه الى السرير)، عندما وصلت الى الشارع الرئيسي، فوجئت بطائرة جمبو تقوم بهبوط اضطراري في الشارع مما أدى الى اصطدامها بقطار كان قد خرج عن مساره وان رجال الاسعاف والشرطة والقوات الخاصة وكتيبة من المظليين هرعوا الى مكان الحادث، ولأنك شهم فقد انهمكت في إسعاف المصابين وملابسك صارت ملطخة بالدم، ومضطر أن ترجع الى البيت لتستحم وتغير ملابسك، فتكون النتيجة (إذا كان المدير ابن ناس) أن يعفيك من العمل ذلك اليوم.. ويستطيع الجوال الكذاب ان يُفصِّل كل الأكاذيب صوتية بحسب طبيعة عملك وظروفك، فقد ترفض توصيل زوجتك الى بيت أهلها بزعم أنك على موعد في العيادة، ولأنها عجنتك وخبزتك وتعرف ألاعيبك، فقد تتصل بك هاتفيا لتتجسس عليك، وعندها تقول للجالسين حولك «هس» وتضغط على زر عملية حفر الأسنان وترد عليها بعصبية «أنجا عند طبيط الأصنان» وتسمع وهي على الطرف الآخر صوت تلك حفارة الأسنان البغيض فينتابها شعور بالذنب: سلامتك يا بعد عمري.. خلاص بلاش تتكلم وأنا بجهز لك شوربة وسلطة روب.. ولو كنت مزوغا من البيت لسبب «مشبوه»، وزعمت أنك ذاهب الى «المكتب» ففور اتصال اللي ما تتسماش، تضغط على زر لأصوات المكاتب: هواتف ترن وطابعات تتكتك، وهناك زر آخر لعواصف رعدية.. بل يمكنك إنزال ما تشاء من أصوات من الكمبيوتر.. كل ذلك مقابل نحو عشرة دولارات.. (معلومة مهمة: هذه التقنية متوائمة مع هواتف نوكيا 3650 و3660 و6600 و N- gage… يعني حملة هذه الهواتف سيصبحون موضع شبهة.. والحمد لله اننا نحن معشر المتحضرين من جماعة الآيفون والأندرويد وغلاكسي بريئون من شبهة الكذب الالكتروني).
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]