جنوب السودان .. إنقلاب ميزان الحرب
أسرار المفاوضات
وفي منتصف مايو 2013م بدا سلفا كير اتصالات مكثفة مع ياوياو للترتيب لتسوية بشأن المنطقة المسماة الكارثية والتي تشهد تمردا متصلاً تارة من ياوياو وتارة من الفريق قديت، وفي اوقات قاد التمرد فيها الفريق جورج اطور، وكللت تلك الاتصالات بالفشل، ثم انتقلت القيادة في جوبا الى مفاوضات اخرى جرت باديس ابابا نهاية العام الماضي وبدايته وحتي شهر فبراير منه، وقاد في تلك الاوقات وفد ياوياو السيد خالد بطرس، وكللت المفاوضات بالنجاح وانتظمت الاتصالات بين الجانبين، واجتمع الطرفان باديس ابابا وفي نيروبي، ووصل ياوياو عقب التوقيع الي جوبا والتقي الرئيس سلفا كير بالفعل.
بداية الأزمة
عقب مقابلة ياوياو لسلفا كير وعدد من المسؤولين في جوبا وآخرين من المنظمات الدولية والسفراء، اتفق الجميع على بدء تنفيذ الاتفاق، ورغم ان هناك تسريبات غير مؤكدة تشير الى طرح المسؤولين في جوبا صفقة رفضها ياوياو تقضي بالانضمام او المشاركة الفورية في قتال مشار، الا ان هناك اشارات اخرى تؤيد تلك الاحاديث وتقويها بحسبان ان هناك استعداداً عالياً شهدته قوات ياوياو، ومع انقضاء الوقت تسلل الملل والخوف الى ياوياو، وبات في وضعية صعبة، خاصة ان هناك اتفاقاً على الورق ولا يطبق شيء منه، بجانب تعلل المسؤولين بالأزمة التي تشهدها البلاد.
خروج للتمرد
عاد بعد ذلك ياوياو الى معسكره في اوكيلو، واسند مهاماً لعدد من الضباط الكبار، وعقب ايام من وصوله تلقي اتصالاً من جوبا قبل ثلاثة ايام يطالبه بضرورة العودة للعاصمة لبحث تنفيذ بعض بنود الاتفاق وهو ما رفضه ياوياو، وكشف مصدر مقرب من ياوياو ان القائد رفض العودة واشترط اعلان قرار رئاسي بتشكيل لجنة فورية لتنفيذ الاتفاق والبدء في تنفيذ اجراءات منح البيبور حكما ذاتياً.
سخط جوبا
وبعودة الفريق المكلف بمقابلة ياوياو الى جوبا بخفي حنين، رفضت قيادات كبيرة في الجيش الشعبي مطالبه، ورأت أن المطالب صعبة للغاية في ظل ظروف البلاد، وقدمت تقريراً للقيادة السياسية يفيد بأن ياوياو تحصن بمعسكره ونشر قواته إلى خارج المعسكر، وحشد قوات في منطقة جبل بوما، وأجرى اتصالات بعدد من قيادات المنطقة الاهلية يحذرهم فيها من وقوع معارك مع القوات الحكومية في غضون الفترة المقبلة.
كفة الميزان
بتلك التطورات انقلبت كفة ميزان الحرب في دولة جنوب السودان ووضعت وزنا جنونبياً جديداً على الساحة بالبلاد، وسابقا كانت الكفة متوازنة بعض الشيء رغم تفوق نسبي لجناح مشار، وتحصن سلفا كير بالجيش اليوغندي الذي اعطى الكفة وزناً مناسباً، ومع انقسام الأمر إلى كفتين تمثل الاولى قوات حكومية تابعة لسلفا كير ومليشيات تتبع لابناء الدينكا والجيش الشعبي وقوات الحركات المسلحة السودانية، والكفة اخرى تحمل قوات مشار التابعة له ومليشيات تابعة من قبيلة النوير وجنوداً وضباطاً منشقين من الجيش الشعبي من ابناء النوير وقبائل اخرى بجانب قوات الجيش الأبيض، وتبدو الصورة الآن غير ما كانت عليه سابقاً، خاصة أن الميزان اقترب في فترة تقاربية بين سلفا كير وياوياو الى وضع وزن جديد لمصلحة سلفا كير، ويشكل في تلك الاثناء تمرد ياوياو وزناً جديداًربما يضاف الى كفة مشار رغم صعوبات كبيرة جداً ربما تقلل من فرص نجاح التقارب بينهما. دواعي الرفض
حينما بدأ القتال المباشر بين طرفي الصراع في دولة جنوب السودان وانتقل للمقاطعات الجنوبية في الوحدة وجونقلي واعالي النيل، توالت اتصالات بين ياوياو ومشار الذي اشترط ان تعمل قوات ياوياو تحت اشرافه المباشر، وان يخضع تشكيلها الى تشكيلات القوات التابعة له، بيد ان ياوياو رفض ذلك واشترط ان تكون قواته تحت تصرفه مما اودى بالاتصالات الى نهاية خلافية انتقل بعدها ياوياو الي مفاوضاته مع سلفا كير ووقع معه اتفاقاً.
كمين المغاوير
في العام الماضي خرج الفريق بيتر قديت قائد ما يعرف سابقا بفرقة المغاوير بالجيش الشعبي، من كمين نصبه له ياوياو بالقرب من جبل بوما، وفي ذاك الوقت عرضت قوات ياوياو صوراً للمتعلقات الشخصية لقديت واعلنت مقتله، وتناول عدد من وسائل الاعلام مقتل قديت، لكن في وقت لاحق ظهر قديت في مستشفي بور مصاباً باصابات بالغة جراء الكمين، وسرد قصة كبيرة حول نجاته وبقائه في بعض الغابات لمدة «16» ساعة دون اكل برفقة حارس واحد نجا معه من الكمين، ويعتبر ياوياو واحداً من أخطر الضباط الجنوبيين في نصب الكمائن العسكرية، ويشتهر بنصب كمائن لقوات الجيش الشعبي التي فشلت في اعتلاء جبل بوما تماماً.
حوار سابق مع ديفيد ياوياو
عاد الفريق ياو ياو مرة أخرى للتمرد على دولة الجنوب، وقاد مجموعته الشهيرة باسم الكوبرا أخيراً للهجوم على الجيش الشعبي الذي تكبدت فيه قوات الحركة الشعبية مئات القتلى والجرحى.. «الإنتباهة» استمعت للفريق على عجالة عبر الهاتف لكنه وعد بإعادة الاتصال بالصحيفة لإجراء حديث شامل عن الأوضاع بدولة الجنوب والتطورات على الميدان.. وننشر الحديث بنصه لما يحمله من معلومات لا تقبل التعديل:
٭ الفريق ياو ياو لفترة طويلة انقطعت أخباركم تماماً ما الأسباب وأين كنتم؟
ــ أيوا نحنا كنا في تجهيزات كثيرة واصلاً العمل ماشي ما بقيف إلا الجماعة ديل يسقطوا ونخلِّص شعبنا منهم.
٭ اذن تُعدّون لعمل عسكري جديد؟
ــ نعم نحنا شغالين والأمور ماشة كويس.. قريب أنا بضرب ليكم أوريكم آخر الأخبار والماشي شنو.
٭ «مقاطعة»: تقول إنكم تعدون كثيراً ولا يوجد عمل على الأرض؟
ــ انت القال ليك كده منو.. انت تعال شوف براك.. ناس الحركة الشعبية بدسو هزائمهم كلها لكن نحنا بنكشف كل حاجة.
٭ سعادة الفريق اتهمت الجيش الشعبي في حوارات سابقة بترصد قبيلة المورلي هل نزع السلاح من المواطنين بنظام الدولة يعني لديكم ترصدًا؟
ــ أيوا، ديل شغالين دايرين يشيلوا من قبائل فلان وخالين ناس محددين، وكمان بسلحوا قبائل تانية ضدنا وضد قبائل تانية، واصلاً الموضوع دا شغل بتاع قبائل محددة، وما قبائل قبيلة واحدة، وانت عارفه كويس.
ديفيد ياو ياو
بدأت حركة ديفيد ياوياو المنحدر من قبيلة المورلي، شرقي ولاية جونقلي والمعروفة باسم الحركة الديمقراطية لجنوب السودان، عقب خسارته لمقعد المجلس التشريعي المحلي للولاية، كمرشح مستقل في أبريل من عام 2010 عن دائرة «غوموروك ــ بوما» بمقاطعة البيبور شرقي الولاية. وعلى غير جميع حركات التمرد المسلح التي شهدها جنوب السودان، لم يكن ياوياو اللاهوتي «دارس العلوم الدينية المسيحية» السابق عضواً في أي تنظيم عسكري. وبدأ ياوياو حياته موظفاً لدى مفوضية الإغاثة وإعادة التعمير بمنطقة بيبور بجونقلي، بعد حصوله على دبلوم في الدراسات اللاهوتية من كلية ايمانويل المسيحية بمدينة يي بالولاية الاستوائية الوسطي في الفترة من «2004 ــ 2006 م». وبعد أقل من عام واحد من تمرده تحولت الأجندة الرئيسة لحركة ديفيد ياوياو من تحقيق الديمقراطية لجنوب السودان ككل إلى الدفاع عن مجتمعه القبلي الذي قال إنه يعاني من تهميش متعمد. وبدأ تمرد ديفيد ياوياو بعدد قليل من الجنود الذين لا يتعدي عددهم «200» جندي، بحسب تقرير نشرته مجموعة مشروع مسح الأسلحة الصغيرة «مشروع أمريكي مهتم بانتشار الأسلحة والنزاعات في السودان وجنوب السودان»، لكن تمرد ياوياو ساهم في اضطراب الأوضاع بصورة كبيرة في المنطقة. ومثل تمرد ياوياو صداعاً دائماً للسلطات الحكومية في جوبا، حيث لم يستطع الجيش بسط سيطرته الكاملة على مناطق تمركز قوات ديفيد ياوياو التي تنحدر غالبيتها من قبيلة المورلي الذين يتمتعون بمهارات قتالية عالية تفوقوا بها على بقية مجتمعات منطقة جونقلي، علاوة على معرفتهم بخبايا وتضاريس المنطقة أكثر من غيرهم. وفي عام 2011م انضم ياوياو إلى القوات الحكومية حيث تم استيعابه فيها برتبة الجنرال، لكنه عاد وتمرد من جديد عقب تنامي موجة العنف في منطقة بيبور، عندما بدأ الجيش حملة لجمع السلاح من أيدي المدنيين بجونقلي بهدف الحد من أنشطة التمرد بولاية جونقلي.
صحيفة الإنتباهة
هيثم عثمان
ع.ش