الركابي حسن يعقوب : التطبيع مع إسرائيل

[JUSTIFY]في الآونة الأخيرة بدأت تطفو على السطح دعوات بدأت خجولة ولكنها سرعان ما غشيت الجرأة مطلقوها فأخذوا يرددونها علناً وبلا تحفظ، وهي الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وهذه الدعوة «الاكذوبة» اطلقتها الصهيونية العالمية وعملت على إشاعتها والترويج لها في العالم العربي وفي إفريقيا، ومفادها أن مفتاح حل كل المعضلات والمشكلات التي تعاني منها كثير من هذه الدول هو التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني. وللأسف الشديد فقد انطلت هذه الاكذوبة على كثير من القادة بالمنطقة العربية والإفريقية، فمنهم من اخذوا يشيرون اليها في معرض تبريرهم للأوضاع الاقتصادية المتردية في دولهم ويقسمون بالله جهد أيمانهم أن الفرج من كرباتهم السياسية وضوائقهم الاقتصادية يكمن في التطبيع مع إسرائيل، ومنهم من طبقها عملياً فكان حصادهم حصرماً وهشيماً ذرته الرياح. وواقع الحال في علاقات إسرائيل بكل الدول الإفريقية والعربية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية يثبت ما قلناه، ونظرة سريعة عجلى إلى محيطنا الاقليمي يؤكد ذلك، ولعل الأنموذج الموريتاني يصلح للتدليل على كذب الادعاء بأن التطبيع مع إسرائيل هو مفتاح حل كل المشكلات والصعاب. فمعاوية ولد الطايع الرئيس الموريتاني الاسبق الذي اقام علاقات دبلوماسية مع تل ابيب في عام 1996م كان هدفه المعلن من وراء اقامة هذه العلاقات هو إخراج موريتانيا من أزمتها الاقتصادية ومما تعانيه من حالة الفقر والفاقة ومن أجل تأمين الحصول مساعدات من الولايات المتحدة الامريكية. وقد تمت عملية التطبيع تحت رعاية ومباركة أمريكية مباشرة، ورغم ذلك فقد كان حصاد موريتانيا من هذا التطبيع منذ ذلك الوقت وحتى الآن هو دفن نفايات نووية إسرائيلية في الصحراء الموريتانية، ومشروع صغير تافه لحماية النخيل مولته اسرائيل تحت غطاء برنامج الامم المتحدة لمكافحة التصحر، وقد فشل المشروع بعد ان اصيبت واحات النخيل التي تمت «معالجتها» بداء عضال قضى عليها.

والأمثلة كثيرة إن نحن أردنا أن نعدها فلن نحصيها، ولكن نشير الى تجارب الدول التي تقيم علاقات مع اسرائيل، فمصر اصابها ما اصابها جراء كامب ديفيد وما تعيش فيه مصر الآن هو نتاج طبيعي لعلاقاتها مع اسرائيل، اما اريتريا فحالها يغني عن التفصيل، وكذلك الحال بالنسبة لإثيوبيا ويوغندا وكينيا وجنوب السودان، وهذه الاخيرة هي مثال حي وقائم لخيبة الأمل في خير اسرائيلي، فقد كانت الحركة الشعبية تعتقد انه بمجرد قدوم السفير الاسرائيلي الى جوبا فإن كل مشكلات الدولة الجديدة ستحل وتتحول الدولة الوليدة الى جنة وارفة الظلال لا تحتاج حتى الى عائدات تصدير نفطها عبر السودان او غير السودان، ولكن في خلال عامين فقط افاقت جوبا من حلمها هذا على واقع شديد البؤس، وسارعت على اثر ذلك الى الطلب الي السودان عدم إغلاق انبوب النفط، وأبدت حرصها الشديد على الاستمرار في تصدير نفطها عبر اراضيه ومنشآته من اجل انقاذ اقتصادها المنهار بفعل حماقات ارتكبتها في حق السودان بتحريض من إسرائيل، ولم تنعم الدولة الوليدة بالاستقرار الذي حلمت به، فسرعان ما اشتعلت الحرب بين أصدقاء الأمس أعداء اليوم بفعل من تل آبيب. خطورة الترويج لهذه الاكذوبة عندنا في السودان تكمن في أنها وبفعل التكرار والترديد يمكن ان تصبح يوماً ما وتحت وطأة اليأس وغياب الرشد السياسي خياراً قد يتم اللجوء اليه كما فعلت الدول التي طبعت علاقاتها مع تل أبيب. إن الحقيقة التي تؤكدها التجارب الحالية والسابقة، هي أن لا فائدة البتة تعود على من يقيم علاقات مع إسرائيل خاصة في عالمنا الإفريقي والعربي، فنحن في نظر الصهيونية العالمية اعداء دائمون، وتجارب اسرائيل في علاقاتها مع الدول الافريقية والعربية لم تخرج عن امور ثلاثة هي: الأول تمكين جهاز المخابرات الاسرائيلي «الموساد» من إقامة مراكز ومحطات للاتصال وجمع المعلومات «التجسس» وتنفيذ عمليات استخباراتية قذرة، الثاني هو ابقاء دولة التمثيل ضمن مناطق النفوذ الامريكي وتأمين خضوع مواردها وثرواتها لصالح الرأسمالية الغربية التي تهيمن عليها الأذرع الاقتصادية العالمية المرتبطة بالصهيونية العالمية. والثالث تغذية التناقضات الداخلية القائمة والابقاء على حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والانقسامات الاثنية والثقافية وكل عوامل الضعف وتوظيفها كلها لصالح اسرائيل. ولن يكون السودان بأي حال من الاحوال استثناءً من هذا النهج الإسرائيلي، فلا خير يمكن أن يأتينا قط من إسرائيل حتى إن اعترفنا بها وبالقدس عاصمة أبدية لها، فاليهود هم اليهود.

صحيفة الانتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version