ولاشك أن حرية الإعلام أوجدت جدلاً قديماً ومازال بين الإعلاميين والدولة منذ ظهور فكرة الحرية والتي من شأنها مساعدة الدولة في تحقيق العدالة وإخضاع تصرفات مسؤوليها إلى تحري الدقة وصولاً إلى الهدف الحقيقي لإظهار العدل ومحاربة الجريمة، فيما ترى الدولة أن الحرية تساعد على نشر البلبلة ونشر المعلومات المضللة للعدالة والتي تؤدي إلى عرقلة العدالة، بجانب أن حرية الصحافة والإعلام تتشابك مع الكثير من الحريات والحقوق الفردية التي ترى الدولة أنها مسؤولة عن حمايتها، والواضح أن مشكلة الحرية في الإعلام تكمُن في فهمه لمعنى الحرية بتصوره أن الإعلام الحُر هو الذي يناصب الحكومات العداء حيث تكون قاعدته هي الاختلاف معها ومصارعتها بأية صورة من الصور، بينما الحقيقة أنَّ المسؤولية عامة ومشتركة ويجب أن يقوم بها كافة أفراد المجتمع ومؤسساته في المجال الإعلامي المهني والتوعية الأمنية.
ومن مُنطلق مقولة “مارسيل ماكلوهان (العالم قرية صغيرة) فإن وسائل الإعلام كافة أصبحت تحاصر الإنسان بكافة الأحداث لحظة بلحظة وباختلاف واضح عن إعلام الماضي سواء على مستوى الشكل أو المضمون؛ حيث اختلف المحتوى الإعلامي واختلف الوعاء الذي توضع فيه الرسالة الإعلامية وتعددت اتجاهات الإعلام وتنوعت كي تتواءم مع التدفق الإعلامي والتكنولوجي الواقع، والتطور التقني على مستوى الوسائل التي تضافرت معاً في عصر الإنفوميديا والتقارب التقني والإعلامي، وبالتالي فإنَّ الأمر يتطلب إيجاد علاقة جديدة وفاعلة بين الإعلام بكافة مُسمَّياته والدولة، تستصحب ضرورة تكامل الأدوار والتعاون بينهما لأجل الخروج برؤىً توافقيَّة تُسهِم في تحقيق أكبر قدر من الفائدة للوطن والمواطنين.
وللوصول لهذه المرحلة هناك فروض وواجبات يجب على الطرفين الالتزام بها وتطبيقها واقعاً، وخاصّة الإعلام الذي يجب عليه ولبناء التفاهم بينه وبين الدولة تعزيز ثقافة الإعلام، وينبغي أن تكون وسائله مستقلة، وتعددية، وجامعة ونزيهة، ومتمتعة بكامل الحرية في التعبير عن رأيها، وعلى الدولة توفير المزيد من الحرية الإعلاميَّة وتجنيبها الرقابة وتأثير النفوذ السياسي أو الاقتصادي، إذ لا يمكن الإسهام في إقامة الحوار والتفاهم بين الفرقاء إلا في ظل حرية وسائل إعلام.
ويجب على الطرفين أن يرفدا تعاونهما بتعهدات تفضي لزيادة الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة بقوانين تضمن الانتفاع الكامل بالمعلومات الخاصة بالصالح العام في كافة المجالات، ويتعين عليهما توفير الأمن لتوثيق متانة وقوة الدولة باعتباره يؤمن ويحفظ استقرارها واستقلالها ومقومات أركان مكوناتها السيادية وتماسك بنائها الاجتماعي والأسري، وهنا يتداخل الإعلام بدوره الحيوي والحضاري في إقرار الأمن واستكماله ضمن نظامه المهني من خلال التوعية بالمعلومات العامه والمنفتحة لأفراد المجتمع والذي يرجم التردي خشية الوقوع في مستنقع الجريمة وتنامي الإرهاب، ممَّا يتطلب بناء علاقة وطيدة ومترابطة بين الإعلام كرسالة إنسانية والدولة ضمن مهامها للحدّ من الجريمة المنظمة ومكافحتها والوقاية منها، ويتحقق هذا الترابط وفق قاعدة علاقة الثقة المتبادلة دون مداخلة أو وضع حواجز، ولكي يؤدي الإعلام دوره باستيقاظ المواطن وتوعيته بأضرار الجريمة والمخدرات وخطورتها تستوجب مرحلة نضوج العقلية العملية لدى العاملين في المجال الإعلامي، خاصَّة أنَّ ثقافة الإعلامي الصحيحة تقوّم الإعلام نفسه وتُوجد فيه المصداقية والحرية والأمانة، لمعالجة الكذب والتزوير وقلب الحقائق، شريطة توفر الرؤية الصائبة للتوعية والإحساس بالمسؤولية بطرق متعددة موضوعياً في إطار المظلة الوطنية وذات آفاق منتظمة منهجياً وبمصداقية عالية الدِّقة وكاشفة لكل الحقائق.
وعلى الحكومة واتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة والمطبوعات العمل الجاد لجهة وضع موجهات وقرارات تُدعِّم حرية الصحافة على إطلاقها ووفق مسار المصلحة الوطنية والالتزام بخط واحد واضح المعالم مع صيانة الحماية للوطن والمواطن ودعم مسار المؤسسات وتحصين المجتمع ضد الشائعة ذات الأهداف الشريرة المنبثقة من الإرهاب وزُمُره، وهنا تتوثق علاقة الحماية الأمنية وتترابط جميع الحلقات بتعاون ويستكمل ذلك عندما يُشاطر المواطن والجهات المعنية معاً الأمر الذي يؤدي من حيث الهدف إلى تعزيز الدور الإعلامي لنقل المعلومة والخبر الأمني في آن واحد وبتوثيق نقي وصادق لصالح المصلحة الوطنية من دون إخفاء الحقائق لعدم وجود ما يمنع من نشر الأخبار في الصحافة بما يحقق التوثيق السليم ولإظهار سلامة النوايا الحسنه، ودون أن تتوغل الصحافة في نشر تفاصيل الجريمة والشائعة والأخبار السيئة بأسلوب الإثارة الصحفية ذات المردود السلبي وبأكثر ممّا فيها من حقائق حتى لاينعكس سلباً على الحالة العامة.
إن تطبيق ذلك المفهوم يقتضي وجود سلطة قوية تكون وظيفتها الأولى منع الناس من التظلم والعدوان وتدفعهم للتعايش السلمي واحترام الحقوق وهذه السلطة عندما تكون منبثقة من إرادة الشعب تكون هي الأقوى ولكنها ستلاقي المخططات العدوانية في الداخل ومن الخارج ومما يًحتِّم عليها الصمود والتحدي ليكون الشعب أكثر تماسكاً، ولا بد أن يتداخل الإعلام والدولة بكل نظافة وبشكل مترابط، كُلاً من موقعه ودون حساسية لتوثيق تماسك سلطة الدولة شريطة أن لا تخرج الدولة عن سلطاتها الدستورية، وإلا فان فشلها سيكون أمراً يفرضه الواقع وسيضحي الحاكم بالمكتسبات التي تحققها القوى الوطنية للشعب.
صحيفة الإنتباهة
النذير إبراهيم العاقب
ع.ش