مرة اخرى تستيقظ الخرطوم على وقع سيناريو إختطاف أجانب، المسرح لم يتغير كثيراً، وكذلك ردة الفعل التى تدل على بالغ الإنزعاج سواء من المسؤولين، او الأجهزة الأمنية، اوالبعثات الدبلوماسية، إضافة للمنظمات الأجنبية والتى ظل عمالها فى الفترة الأخيرة فى مرمى الإختطاف وإن تعددت الأسباب.
وكما جرت العادة نشطت الاتصالات لمعرفة الجهة المسئولة عن عملية الإختطاف التي تركت ارقام هواتفها ربما حتى تتم عملية مناشدتها لإطلاق سراح الرهائن وعدم إلحاق الأذى بهم كحد أدنى، وربما من أجل ايصال المطالب التي من أجلها تعرضت الموظفتان للاختطاف.
وكانت منظمة (ايد ميديكال انترناشيونال) الفرنسية أعلنت الاحد ان اثنتين من العاملين بها خطفتا في جنوب دارفور مساء السبت. وقال مسؤولون سودانيون إن مسلحين مجهولين خطفوا المرأتين (احداهما كندية والاخرى فرنسية) واثنين من الحراس السودانيين -تم اطلاق سراحهما في وقت لاحق- من مسكنهم في عد الفرسان في دارفور.
وتبنت مجموعة تطلق على نفسها (مجموعة تحرير السودان من الأجانب) عملية الإختطاف وفيما يحمل الأسم دلالات مزعجة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور طالبت المجموعة وحسب ما رشح فى صحف الخرطوم بفدية _لم تحدد قيمتها_ فى مقابل إطلاق سراح الرهينتين.
وفى حادثة مشابهة وقبل فترة وجيزة أختطفت مجموعة تسمى نفسها (نسور البشير) ثلاثة من عمال الإغاثة يتبعون لمنظمة أطباء بلا حدود البلجيكية الشهر الماضى وبالرغم من مطالبة (النسور) بداية بفدية مالية ولكن هذه المطالب اخذت منحى آخر بعد ان تمخضت بإطلاق سراح الرهائن ووصفت المجموعة عملية الإختطاف بالثأرية لرمز سيادة البلاد البشير على خلفية مذكرة الجنائية وهو الأمر الذى يضعها في خانة تناقض المواقف من طلب المال الى الثأر لرأس الدولة.
وشهد شهر اكتوبر من العام المنصرم حادثة الإختطاف الأشد ترويعاً وأثراً على النفس كونها إنتهت بعد أن خلفت ورائها ضحايا من الصينيين العاملين بحقول النفط بمنطقة جنوب كردفان، الحادثة التى أرادت منها حركة العدل والمساواة تحجيم إستثمارات الصين فى مجال النفط وضرب صناعة البترول التى يرتكز عليها الإقتصاد السودانى ولكنها أتت بعكس ما تشتهى الحركة بإعلان الصين أستمرارها فى دعم السودان فى المجالات كافة وهو ما كان واضحاً من مواقف التنين فى ما تلى من مراحل.
وأبدى عمال الأغاثة الأجانب مخاوفهم من تنامى ظاهرة الاختطاف بحقهم منذ إندلاع أزمة الجنائية، ويشيرون الى ان هذه العمليات هي افرازات لقرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية.
وسارعت الحركات المسلحة فى دارفور لنفى علاقتها بحادثة إختطاف عمال منظمة (ايد ميديكال انترناشيونال) وذهب ابراهيم الحلو من الفصيل الذى يرأسه عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان الى إتهام الحكومة بأنها تقف خلف عملية الإختطاف فى إطار خطة لإخلاء دارفور من المنظمات الأجنبية، ولكن الحكومة من جانبها نفت هذه الدعاوى وقامت بشجب وإدانة مسلك الإختطاف وأكدت فى أكثر من منبر التزامها بتوفير الحماية لجميع العاملين في الحقل الانساني بما فيهم الأجانب.
وفيما تأرجحت دعاوى الإختطاف بين الإقتصاد (طلب الفدية) والسياسة (إحراج موقف الحكومة أو دعمها) فإن كل طرقه تؤدى الى تعقيد موقف السودان من منظمات الاغاثة خاصة في اعقاب قرارها طرد ثلاثة عشر منها ومطالبة مجلس الامن وبعض الدول الغربية بعودتها حالا.
وفيما قررت منظمة (أطباء بلا حدود) إجلاء موظفيها من الأقليم المضطرب الى الأراضي التشادية على خلفية عملية الإختطاف لم يصدر ما يؤكد ذهاب (ايد ميديكال انترناشيونال) لذات المنحى خصوصاً أن عملية الإختطاف هذه المرة مصبوغة بلون المال وليس الدوافع السياسية.
وأبدى المراقبون بالغ قلقهم إزاء تنامي ظاهرة الإختطافات ودعوا لحسمها ومنفذيها بغض النظر عن الدوافع والجهات التى تقف ورائهم حتى لا تنتقل الظاهرة من إطار الأفعال الشائنة التى لا تشبه الشعب السودانى لخانة الإعتيادى الذى لا يلفت الأنظار وذلك من خلال تكرارها.
مقداد خالد :الراي العام