أفضل الجردل على كايجو

من محاسن النشأة في القرية في عصر ما قبل الدش والبانيو، أنني مازلت أتمتع بمهارات عالية في الاستحمام بنشل الماء من جردل/ سطل وصبه على جسمي بوعاء معدني أو بلاستيكي، واكتشف جدوى تلك المهارات كل صيف يمر علي في منطقة الخليج، فلأن معظم البيوت التي أقمت فيها منذ اتخذت تلك المنطقة وطنا ثانيا، مزودة بخزانات/ صهاريج ماء على أسطح السقوف فإن الماء الذي ينزل منها نهارا يصلح لسلق بيضة نعامة خلال دقائق.. صرت اختار البيوت التي بها خزانات تعلوها سقوف وسواتر من الحر وسكنت بيتا فيه جهاز يبرد الماء قليلا صيفا، ولكنني صرت موقنا بأن الحر في منطقة الخليج ناجم عن أن شمس المنطقة ترسل أشعة ليزر تخترق كل شيء ومهما تفعل فإنك لا تستطيع ان تستحم في الخليج ما بين الثامنة صباحا والعاشرة ليلا من دون أن تصيح: يا يمه… وتفاديا للفضائح وأنا يتيم أب وأم، صرت أملأ جردلا بالماء في الحمام وأتركه لنحو خمس ساعات لاستخدمه لاحقا في الحمام من دون ان أصاب بحروق وأنا أصلا جلدي محروق «خلقة ربنا»، واستحم بماء الجردل مستعيدا ذكريات طفولتي وصباي مع فارق بسيط، وهو أن البانيو حل محل الطشت (تذكرت الطفلة الفلسطينية فاطمة ماهر التي قضت سنوات عمرها الأولى بالتساوي بين بيتنا وبيتهم في الدوحة، وذات يوم ناكفها ولدي لؤي طويلا فصاحت فيه: بدك تروح النار تصير أسود أكتر من هيك؟).
وقد اعترفت مرارا بأنني لم استخدم البانيو في حياتي للاستحمام.. استخدمته مرتين أو ثلاثا ولكن ككمادات، فعندما أحس بألم شديد في الظهر أملأه بالماء الدافئ وأغطس فيه لنحو عشرين دقيقة فأشعر بتحسن محسوس، والسر في ذلك هو أن البانيو يـ «قرفني»، فحتى لو كان خاصا بك من دون زوجتك أو عيالك فإنك تملؤه ماء ثم تغسل جسما وتظل غاطسا في الماء المخلوط بالوسخ الذي خرج من جسمك، ولهذا لم أفكر في شراء بانيو كايجو الذي كان معروضا خلال مهرجان للتسوق في دبي، رغم أن المبلغ المطلوب فيه كان تافها، فحوض الاستحمام هذا مصنوع من حجر كايجو النادر وقيمته مليون وسبعمائة ألف دولار فقط.. حمام تملؤه بالماء والصابون وتجلس فيه وتفرك جلدك بـ1,700,000 دولار.. طيب لو كان يملأ نفسه بنفسه ويقوم بفرك جلدك وعمل مساج لكل عضلة في جسمك كم كانوا سيطلبون سعرا له.. والله لو أعطوني ذلك الحوض هدية وبداخله حوت ينفث العنبر بالكيلو كل ساعة لما قبلته.
ما أحزنني أكثر أن شخصا ما اشترى ذلك الحوض ودفع نظير نقله وشحنه مع التأمين عليه نحو 70 ألف دولار… فهناك بشر أعطاهم الله المال الكثير ولكن يبدو أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون به ولهذا تجد من يشتري لوحة رسمها بيكاسو بـ20 مليون دولار، مع ان بيكاسو على بعضه لم يكن يساوي نصف مليون دولار.. رجل قبيح الملامح ومكعكع ويشخبط ويلخبط وقال النقاد إنه عبقري وصدق بعض الأثرياء البلهاء ذلك وتهافتوا على لوحاته.. أذكر أول مرة زرت فيها منزل الأمير عبدالعزيز بن سلمان وكيل وزارة البترول الحالي في الرياض ولفتت انتباهي في مجلسه لوحات جميلة تحمل تواقيع رسامين أوروبيين فاقترب مني ضاحكا: ثمنها كلها ما يجي 500 دولار واشتريتها من الأرصفة في باريس وغيرها وعندما يأتي الأوربيون لزيارتي ينظرون إليها ويقولون: they must have cost you a fortune«لا بد أنها كلفتك مبلغا طائلا» فأضحك في سري.
[/JUSTIFY]