.. وأول التسعين ما كان أحد يستطيع أن يسخر من فساد هنا أو هناك.
.. ونرسم »كاريكاتير« بصحيفة «الإنقاذ» وفيه
: شرطي يقف أمام »شماعة« عليها ملابس أحد الضباط.. والعسكري ــ وسيجارة بنقو في فمه وعيونه ثقيلة – يرفع تحية صارمة للشماعة ــ يحسبها ضابطاً ــ وهو يقول
: كله تمام يا فندم ــ البنقو المقبوض فحصناه.. طلع فالصو.
.. كنا نريد إثارة الرقابة ــ لأن دولة بلا رقابة هي فساد بلا رقابة.
«2»
.. وقبل أسابيع قليلة ــ الأستاذ علي عثمان في أول حديث له بالبرلمان يقول قولاً.
.. بعدها بيوم يضطر إلى تقديم تفسير لما قال.
.. وكرتي الأسبوع الماضي يقول قولاً.
.. بعدها بيوم يضطر لتقديم تفسير لما قال.
.. وبين هذا وهذا ــ أحاديث ــ كل منها له أشواك.. وكل منها يلحقه تفسير.. ولعل الصوارمي يقدم غداً تفسيراً لبعض ما قال.
.. مثلها ــ الدولة في اصطراخها ضد الفساد تجعل كل شيء «حتى البرلمان» يشترك في الصراخ أيام قضية الأقطان.
.. بعدها الصراخ يصبح حريقاً في قضية الأقطان ــ والأراضي ــ والنائب العام ــ والبذور ــ والقمح ـ والنيابات و… و…
.. والدولة التي تطلق الإعلام تماماً تضطر إلى منع الإعلام تماماً.
.. ولعلها تضطر إلى تقديم تفسير لهذا وهذا.
«3»
.. والدولة يفزعها تفسير المجتمع للأحداث.. الأحداث التي تصنعها هي.
.. والدولة تنسى أنه ما لم تقدم تفسيرها هي للأحداث فإن الناس يقدمون تفسيرهم ــ حتماً.
.. التفسير الذي ليس هو تفسير تلاميذ القسيس في حكاية أنيس منصور.
.. وأنيس منصور يقص كيف أن قسيساً يمشي ومن خلفه تلاميذه.
.. والقسيس يدخل بيت عاهرة ويغلق الباب.
.. بعدها التلاميذ يسمعون.
.. بعدها التلاميذ يرون القسيس وهو يستحم.
.. بعدها القسيس يسأل تلاميذه
: ما الذي ظننتم يوم دخلت على هذه المرأة؟
قالوا: لطرد الشيطان عنها بالطبع.
قال: وماذا ظننتم حين خلعت ملابسي؟
قالوا: حتى لا تتلوث بملامسة الشيطان.
قال: وماذا ظننتم حين سمعتم ما سمعتم؟
قالوا: عرفنا أن الصراع مع الشيطان كان عنيفاً.
قال: وماذا ظننتم حين رأيتموني أستحم؟
قالوا: للتطهر من ملامسة الشيطان.
.. الدولة تنظر أن يقدم المجتمع تفسيراً لأفعالها وأقوالها بأسلوب التلاميذ هؤلاء.
.. لكن..
«3»
.. والدولة «بسلامة النية» ذاتها وفي احتفال للسلام بدارفور تتحدث وكأنها هي من صنع التمرد والخراب.
.. والدولة تحسن الشرح حين تكتفي بحديث يبدأ بسؤال هو
: من صنع الخراب ــ ابتداءً.
.. والاحتفال هناك يقوم أمس الأول «أول يونيو».. ومدهش أن أول يونيو 1968 كان هو ما يشهد تمرد منظمة سوني.
.. بسبب حكومة الصادق.
.. وبعدها السويد والنرويج.. وإسرائيل وفرنسا.. وليبيا كلها تصنع قادة منظمات التمرد هناك وبداية صناعة الخراب.
.. وحرب تشاد والقذافي تركم السلاح في دارفور.
.. والصراع بين الفصائل عام 1978 يتحول إلى الرشاشات.
.. و… و…
.. وكأن الأقدار تجعل كل شيء يلتقي حين تلتقي أيام سلام دارفور الآن بلقاء جديد في ألمانيا للتمرد.
.. ألمانيا تصنع هايد لبيرج وتصنع نيفاشا و…
.. و….
.. والدولة لعلها تحدث حديثاً لا يحتاج إلى شرح حين تتساءل عن شيء بعضه هو.
.. عام 1984 ألمانيا تتبرع بثمانية عشر مليون دولار لمياه البحر الأحمر.
.. واختفت.
.. وكوريا الجنوبية تتبرع للمشروع بثمانية عشر ألف طن أسمنت.
.. وغرفة في فندق الواحة ــ تعرف أين ذهبت أطنان الأسمنت.
.. ودولة أخرى بالتعاون مع مصرف ألماني تتبرع بعشرة ملايين مارك ألماني.
.. لاستيراد معدات المياه.
.. لكن بعضهم يستورد أشياء أخرى.
.. و…
.. الدولة في الحديث عن الغرب.. والخراب لا تحتاج إلى أكثر من حكاية الأحداث كما هي ــ أيام النميري.
.. والدولة عند الشرق والخراب لا تحتاج إلى أكثر من حكاية ــ «من» صنع «ماذا».. أيام الصادق.
.. والدولة لا تحتاج إلى كلمتين من الشرح.. حين تسكت لحظتين قبل أن تقول.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش