ليس من رأى كمن سمع، وليس من سمع، كمن عاش الأهوال..الكثير من أبناء السودان ضائع فى غربة لئيمة.. ليت برلمان الإخوان المسلمين في أم درمان يتسلى بهذا الموضوع الخطير، ويناقش أوضاع السودانيين في ليبيا، لعل النواب الكرام قد سمعوا بمعاناة رعاياهم هناك.. إنهم جالية كبيرة جداً، ومضطهدة جداً، ومقتولون يومياً دون بواكي..!
كثير من الشباب السوداني في ليبيا تتقزم أحلامه في العودة الخائبة إلى السودان.. العودة الخائبة لدى كثيرين هي طوق نجاة من الهوان والذل والموت المجاني، فالذي يخرج من تلك الحُفرة، بنصف عقلٍ أو بدونه، يربح فرصة أخرى للحياة!..
على كل سوداني غيور أن يرفع صوته عالياً، وينادي على قيادات الدولة فرداً فرداً، لربما يسمعون النداء.. هلموا جميعاً يا أهل السودان لإنقاذ أبنائكم الضائعين، فالكثيرن منهم هناك في أسوأ حال، والأوضاع الليبية المضطربة لن تستقر قريباً.. ليبيا الآن عبارة عن جبّانة هايصة، وما حدث في «الجماهيرية» خلال عملية تغيير القذافي كان فظيعاً، فقد دمرت البنى التحتية وقُتل الآلاف، واستشرت الغبائن والثأرات والنعرات القبلية والجهوية، ولا وجود لدولة القانون، إذ لم يكن القانون راسخاً أصلاً هناك.
هناك بصيص أمل في ظهور «خليفة حفتر»، وهو عسكري انشق في السابق على نظام القذافي، وله موقف واضح وصريح في مقاومة الجماعات الإرهابية التي تسيطر تماماً على شوارع المدن الليبية.. لكن تبدو مهمة خليفة حفتر مستحيلة أو شاقة جداً في هذه المرحلة، إذ عليه كعسكري، إعادة هيبة الدولة، وبناء مؤسساتها المدنية، وتنظيف البلاد من المليشيات القابضة حتى على تصدير النفط.. وهذه مهمة لا يمكن أن تتحقق في ليبيا إلا بتدخل لا يقل عن تدخل الناتو، لأنه من المستحيل أن يقهر رجل واحد أمراء الحرب والهوس الذين تجمعوا من كل حدب وصوب، وهي جماعات مسلحة ودموية ولن تتخلى بسهولة عن الامتيازات التي يجدها قادتهم من استغلال موارد النفط.. هناك اندثرت الدولة وانتشر السلاح في أيدي الجهلاء، ابتداءً من الكلاش وحتى الطائرات.. هناك تتحكم المليشيات الجهادية وتفرض على الناس رؤيتها السلفية، وتنتشر عصابات الصائعين التي تعيث فساداً، اغتصاباً ونهباً وقتلاً.. إن ما يحدث في ليبيا الآن، يؤكد على أن شعوب المنطقة العربية قد غُرِّرَ بها ووقعت في الفخ ودفعت الكثير، وراء وهم «الربيع العربي»، الذي كان تجريباً لخطة غربية، كان هدفها المباشر هو تقديم جماعات الهوس الديني كبديل سياسي لطواغيت الحاضر.. لكن تلك «الفوضى المنظمة»، تكشّف زيفها في مصر وفي سوريا.. ففي سوريا الجماعات السلفية تشرئب وتطرح الهوس والإرهاب بديلاً لنظام الدولة المدنية، وليس لها برنامج لبناء أو إدارة الدولة، وإنما هو التخريب والتجريف والتفجير، لا أكثر.. هكذا رُمي البسطاء في أتون الموت المجاني لثلاث سنوات قابلة للتجديد، من أجل استبدال نظام حكم سييء بما هو أسوأ.
أيها السودانيون: أنقذوا أبناءكم.. ليبيا ليست مكاناً صالحاً للهجرة ولا للعمل، بل ليست مكاناً صالحاً للعيش..!
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]