في السودان: وما خُفي أعظم!.. 105 حالات ردّة بنهاية العام 2013م.. كيف ولماذا؟

ما تزال قضية طبيبة القضارف المرتدة تلقي بظلالها الكثيفة، وفتحت الباب واسعاً للحديث عن الحملات التي تقوم بها جهات تبشيرية وتنصيرية. أو حالات لشباب مسلمين بدّلوا دينهم، أو تحولوا للإلحاد وغيره. وهي قضية أيضاً تُعيد السؤال والحديث عن قضايا الردة والتنصير في السودان ودفعت الكل إلى نبش المنسي من قضايا التنصير التي ارتفعت على نحو مخيف السنوات الماضية بحسب إحصائية المركز السوداني للدراسات المقارنة.

ملصقات إلحادية
قضية الطبيبة أبرار أو مريم كشفتْ المستور في قضايا الردة والتنصير. حيث تناقلت الصحف في الأسابيع القليلة الماضية خبراً مفاده أن محكمة جنايات الكلاكلة أوقفت سير إجراءات محاكمة شاب ثلاثيني بتهمة الردة عن الدين الإسلامي إلى حين عرض المتهم على الكشف الطبي للتأكد من قواه العقلية، بناء على طلب مقدم من محامي الدفاع للمحكمة بأن المتهم أدلى في التحريات بأقوال غير صحيحة مفادها أنه مسيحي.
ويذكر أن المصلين بمنطقة الكلاكلة شرق فوجئوا بوجود ملصقات تسيئ للرسول «صلى الله عليه وسلم» على جدران المسجد وبجانبها ملصقات تطالب الناس بالردة عن الدين الإسلامي، واتفق المصلون على تنفيذ كمين ووضعوا خطة محكمة للقبض على الفاعل. وبالفعل استطاعوا ضبطه متلبساً وهو يضع ملصقاته المسيئة، حيث تم القبض عليه واقتياده لقسم الشرطة، التي حررت في مواجهته بلاغاً بذلك. أفاد فيه أنه مسيحي، لكن التحريات وإفادات الشهود أوضحت أن المتهم في الأصل مسلم، وترجع جذوره إلى الولاية الشمالية بجانب أنه يعمل بالولايات المتحدة الأمريكية وجاء الى السودان لقضاء إجازته السنوية.
مجتمعنا مفتوح
من جانبه أرجع أباذر عبد الباقي – طالب بجامعة النيلين – أرجع أسباب انتشار مثل هذه الظواهر في مجتمعنا إلى ضعف دور علماء الدين، الذين أصبحوا في اعتقاده غير قادرين على القيام بدورهم في ظل التحرك الكثيف والمخيف من الأديان الأخرى. وقال لـ»حكايات» إن قضية الطبيبة والفتيات الثلاث اللاتي ارتددن عن الإسلام ورجعن إليه تائبات مرة أخرى، إذا كان لدينا علماء دين (نجيضين) لتحركوا في إطار هدم مثل هذه الظواهر الخطيرة التي تفشت بصورة كبيرة، خاصة في الجامعات التي أنصح علماءنا بالتوجه نحوها لحماية الطلاب وإرشادهم بالنصح والبرامج التوعوية، لاسيما في وجود أجانب يعتنقون ديانات أخرى، يقصدون التعرف عليهم والاحتكاك بهم حتى يسهل التأثير عليهم ومن ثم تغيير أفكارهم فيصبح الانتقال لدينهم بسهولة ويُسر، وشدّد أباذر على تكثيف دورات حفظ القرآن والدروس الفقهية لتقوية العقيدة وزيادة المعرفة حتى يُصبح بإمكان الطالب الدفاع عن دينه خاصة في ظل استهداف المنصرين لأبناء الريف بعد أن أصبح المجتمع مفتوحاً.
استغلال خاطئ
في السياق أكد عمر أحمد «طالب» استغلال الشباب للتكنولوجيا بصورة خاطئة، وقال لـ «حكايات»: بالرغم من أن مجتمعنا مجتمع محافظ ومتدين، ومشهود له بالأخلاق السمحة، إلا أن شباب اليوم بعيدون جداً عن الدين وجل ما يشغلهم هو كيف يقتنون أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة من «محمول أو لاب توب»، ليُجاروا بها الموضة. وأرجع عمر أحمد أسباب الارتداد لكثرة الأحزاب الدينية، بالإضافة إلى انتشار الكتب والروايات المعارضة للدين المعروضة في الأسواق، التي لها الإمكانية في جر الشخص إلى دين المسيحية، بالرغم من كل هذه المسوغات إلا أن عمر يراها غير منطقية وغير واقعية أيضاً، وقال إن على الشخص التمسك بدينه وإسلامه، ويجب أن لا يعطي الغير ثغرة حتى يضعف دينه، وينجرف وراء التيار المخادع.
تلاعب الشيطان
فيما يرى أبوبكر الصديق أن حادثة الطبيبة أبرار، التي شاع خبرها، وتناولته وسائل الإعلام المختلفة وغيرها غريبة جداً ومثيرة للدهشة، لأننا لم يحدث أن سمعنا عن التنصير أو الردة من قبل في السودان، لاسيما وأن السودان معروف بعاداته وتقاليده السمحة.
وأكد أبوبكر الصديق لـ»حكايات» أنّ أسباب الردة ترجع إلى الانفتاح على العالم، للدرجة التي أصبحت فيها مساحات رحبة للغزو الفكري والثقافي، لكن السبب الرئيس من وجهة نظر أبوبكر راجعٌ إلى ضعف الإيمان والوازع الديني، لافتاً إلى أن الطلاب أكثر فئات المجتمع عرضة للأفكار وتلاعب الشيطان.
في المسجد فقط
في حديثه لـ «حكايات»، حمّل بروفيسور خليل المدني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين، الدولة مسئولية ما يحدث داخل المجتمع السوداني. وقال إن سياسة الدولة وراء هذه الظواهر، بالإضافة إلى التداخل في السلطات سواء كانت سياسية أو دينية أو غير ذلك. وأكد أن ما يحدث الآن من تمزق وفساد وردة سببه الأول والاخير الفقر الذي استشرى في جسد كافة المجتمع. ووصفه بأنه مرض خطير وفتّاك، وهو بداية لظاهرتي التنصير والتشيع التي مدّت جُذورها بشكل واضح.
وأشار بروف خليل إلى أن المجتمع الآن في أصعب حالاته ويمر بمرحلة تغيير سريع وضخم وخطير جداً في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والدينية وحتى الأخلاق والقيم لم تسلم منه، لذلك لفت النظر إلى ضرورة عدم التعامل مع ظاهرة الردة على أنها ظاهرة فردية، إنما هي ظاهرة خطيرة تتبعها ظواهر كثيرة ترتبط ببعضها البعض، فالفساد المالي يرتبط بالأخلاق التي ترتبط بالدين الذي يرتبط بالتنصير والردة، وقال: كل ذلك مرده إلى أن الدين أصبح في المساجد فقط.
معالجة سياسات
وأضاف برفيسور خليل المدني: المجتمع أصبح مخيف ومصاب بانهيار أخلاقي فهناك إحصائيات تؤكد وجود «1200» حالة اغتصاب أطفال في الفترة القصيرة الماضية، هذا غير الحديث عن الفساد وانتشاره في كل مكان، وظاهرة الردة جزء مما يحدث في المجتمع، وبحسب مدني فإن افتقاد الشباب للقدوة الحسنة في البلاد وغياب الرقابة والتوجيه داخل الأسر بسبب اللهث وراء مشاغل الحياة من العوامل الرئيسة في بروز هذه الظاهرة التي تغذت على التفكك الأسري، مضيفاً: «زمان كان لو غلطت أي زول ممكن يوعظك لكن الآن ما في زول بقول لزول ده غلط، قدوة الشباب الآن «ميسي» وغيره من النجوم المشاهير».
وقال إن الدين منبعه قلب الإنسان و»من الممكن أن يدعي شخص أنه مسلم وهو غير ذلك ويكون من المنافقين»، لكن الدين ليس هكذا وليس كما يبدو لدى البعض فالآن هو عبارة عن مظهر وتمثيل وربما وسيلة للوصول إلى المبتغيات، مضيفاً: هذا الجيل ضائع وليس لديه مستقبل واضح، وأعتقد أن المشكلة تكمن في إشاعة العدل في كل شيء، والمعالجة في إعادة النظر في سياسة الدولة وإدخال نظام جديد.
أرض خصبة
أرجع أستاذ علم النفس بجامعة أفريقيا العالمية د. نصر الدين أحمد مثل هذه القضايا إلى عوامل عديدة في شخصية الفرد، لأن مسألة العقيدة أمر يتعلق بالغريزة الإنسانية حيث تنزع كل نفس إلى هذا الاتجاه وطبيعة تلك البذرة التي أوجدها الله تعالى.
وقال إن الفرد عندما يصبح مخالفا للفطرة الإنسانية يتعرض لكثير من العوامل، إيجابية كانت أو سلبية، وهذه العوامل لاسيما البيئة الاجتماعية تؤدي إلى اضطراب في بنيته الشخصية على المستوى المعرفي أو التفكيري والانفعالي وما يتعلق بالعواطف والجوانب العاطفية، مؤكداً في إفادته لـ(حكايات) أن تفاعل هذين العاملين ينتج السلوك أو القرار، وبالتالي فإن كثيرا من هذه الظواهر السالبة لدى الأشخاص تحتاج إلى فحوصات (نفسية) للتأكد من سلامة القوى العقلية والانفعالية لهم، خاصة عندما تكثر مثل هذه الظواهر. وأضاف: بعيدا عن الفتاوي والأمر الديني والاختلاف المذهبي وذلك الجدل الذي يدور على صفحات الصحف والوسائل الإعلامية، فإن هذه الظواهر تحتاج في التعامل معها إلى جدية وكتمان حتى لا يضار المجتمع والوطن بخاصة أن مثل هذه الموضوعات صارت تجد هوى عند الآخرين، وقال إن إبراز هذه الموضوعات من قبل وسائل الإعلام لا يفيد بقدر ما يصبح مدخلاً للشائعات نظراً لأن في بيئتنا الاجتماعية أرضاً خصبة للشائعات (والسودانيين بحبو الشائعات).
استخدام السحر
مدير المركز السوداني للدراسات المقارنة، د. عمّار صالح المتابع لقضايا الردة والتنصير في السودان ابتدر حديثه بتعريف التنصير، وقال إنه اعتناق إنسان أياً كان دينه أو ليس له ديانة، النصرانية، وأشار إلى أن التنصير يشمل عدة أركان، المنصر وهو الشخص الذي يدعو للعقيدة النصرانية أو النصاري سواء كان قسيسا أو بابا أو مبشرا أو أي إنسان عادي ويمكن أن يحمل اي اسم أحمد أو جون، اما المتنصر فهو الذي اعتنق النصرانية ويعتقد كل عقائدهم وأسرارهم.
وشرح د. عمار أن المنصرين يتبعون آليات مختلفة للتنصير ويميلون لاستغلال أعمال الإغاثة في المناطق الطرفية وأوساط الطالبات، وقال إن النصارى يستغلون الأوضاع السيئة ومناطق الفقر والحروبات والكوارث ومناطق تفشي الجهل ويرتكزون فيها، وأضاف: «ينزلون بكل امكانياتهم ويوفرون وسائل المعيشة في تلك المناطق والعلاج في مناطق تفشي المرض واستخدام السحر لإقناع المستهدفين ويوزعون الأدوار بينهم». وأردف: تلجأ بعض الكنائس لاستخدام السحر، وقد استقبلنا ثلاث فتيات مؤخراً تم تنصيرهنّ بواسطة السحر وعندما نقرأ على الواحدة منهنّ آيات السحر تتغيّر ملامحها وتبدأ في ترديد كلمات غير واضحة، وقال إن مثل هذه الحالات لا تجدي معها المناقشة لأنها ليست في وعيها، وأكد د.عمار أن الإحصائيات أثبتت وجود «105» حالات نهاية العام «2013»م فقط، أما في العام الحالي فبرزت حالة أبرار فضلاً عن فتاتين من كرام الأسر وأربعة أولاد، والمركز يتابع حالياً حالة شخص تنصر منذ أربعة اشهر، وهناك كثير من الحالات لم تصلنا بعد.
وكشف د. عمار أن عدد الحالات المتنصرة التي استتابت حوالي «19» حالة، وقال إن النصارى استغلوا أوضاعهم الأسرية وسحروهم وتم تعريضهم لرقية شرعية ومن ثم استتابوا، وأكد أن إحصائية التنصير مخيفة وتدق ناقوس الخطر وأضاف: «نحن لو ارتد زول واحد تصبح المسألة مخيفة»، مطالباً الأسر بالاهتمام بأبنائها وتقوية العلاقات الأسرية، داعياً الدولة للقيام بواجبها في المحافظة على أبناء المسلمين وعلى الجماعة الإسلامية وتوعية طلاب الجامعات، منوهاً إلى ضرورة تغيير المناهج الدينية لأن المناهج الحالية لا تجعل الطالب مؤهلاً دينياً ولا تمكنهم من الرد على الشبهات والوقوف لمجابهة الغزو الفكري سواء أكان نصرانياً أو إلحادياً.
هجوم عنيف
في السياق شن أئمة ودعاة هجوما عنيفا على الولايات المتحدة وبريطانيا متهمين هاتين الدولتين بالوقوف من وراء ردة الفتاة المدعوة مريم يحيى، وقالوا إن منظمة حقوق الإنسان الدولية يقودها عدد من الزنادقة، فيما أيد عضو هيئة علماء المسلمين د. سعد أحمد الحكم الصادر بحق الفتاة بالإعدام، بينما اتهم خطيب مسجد الجامع الكبير كمال رزق مجموعة سودانيين لا دينيين بالسعي إلى تنفيذ مخطط إشاعة الردة وسط الشباب السوداني، من جهته اتهم خطيب مسجد بحري الكبير الشيخ عبد الرحمن حسن حامد منظمات كنسية وحقوقية بالتأثير على بعض الشباب المسلم، الذي وصفه بـ (المُضلّل)، وقال إنها وراء تحريك قضية الفتاة المرتدة، مشدداً على ضرورة محاكمة أي شخص يخرج من الإسلام، مفسّراً ذلك باعتباره حداً من حدود الله (لا يجوز التلاعب فيه أو التنازل عنه)، واعاب الشيخ عبد الرحمن على الدول التي أرسلت مبعوثيها لمتابعة القضية والمتحدثة باسم حقوق الإنسان، كونها هي مَنْ يرتكب الانتهاك باسم الإنسان، ووصف الشيخ في خطبة الجمعة الماضية حكم الإعدام الذي صدر في حق طبيبة القضارف بـ(العادل والشرعي)، منبهاً الحكومة لعدم التنازل في ما يخص موضوع الحدود، (مثل تنازلها في أشياء كثيرة سابقة)، أو كما قال.

تحقيق: دار السلام علي- حكايات

Exit mobile version