* ليبراليّون وفي السودان؟
– الليبرالية مفهوم فلسفي وتعاطينا معها في الحزب الليبرالي تعاط يختلف عن الرؤية التي تعشعش في مخيلة الكثيرين.. يصبو الليبراليون لإقامة نظام حكم ديمقراطي تعددي علماني، تكون من أهمّ سماته، بالإضافة للمفاهيم الديمقراطية المعروفة؛ احترام حرية الفرد والمجتمع، وإقامة نظام اقتصادي حر، فنحن في الأساس ندعو لسيادة قيم المساواة، واحترام حقوق الإنسان، والاعتراف بالآخر واحترامه.
* (طيّب) من جديد نبدأ؛ علمانيّون في مجتمع ملتزم دينياً؟
– نحن ندعو إلى فصل الدين عن السياسة، وليس عن المجتمع، ونرفض فكرة المتاجرة بالدين كما حدثت في تجربة الإخوان المسلمين التي نعايشها الآن… لسنا ضد الدين بمفهومه الاعتقادي، بل نقول إنّ من حقّ الأفراد حرية الاختيار في عقائدهم، وفي النظام الليبرالي لن تتدخّل الدولة في المعتقدات. في عضويتنا الكثير من الملتزمين دينيّاً، ولكن مسألة التديّن عند الليبراليين هي قرار شخصي بحت، ولا دخل للحزب أو أيّ جهة أخرى فيه، ولا يؤثّر على تقدّم أو تأخر العضو.. نحن لا نقود حربا ضد الدين كما يحاول البعض توصيفنا. يمكنني القول بأنّ الليبرالية في مفهومها الواسع قادرة على التغلغل في المجتمع السوداني؛ المنفتح أصلاً، والمعترف بالآخر.
* (دي ليبرالية نصوص بس).. وتجربة الحزب تقول بعكس ذلك؟
– “ما فهمت قصدك”!
* قصدي أنّ الممارسة في المنظومة تناقض المفاهيم المطروحة؟
– نحن كليبراليين نتبنّى أطروحة فكرية جديدة، تعالج اختلالات المعادلة السياسيّة، والعجز الذي لازم التجربة السياسيّة السودانيّة طوال السنوات السابقة، والتي ظلّت متأرجحة بين الولاء الطائفي، أو الانتماء للمنظومات الاشتراكيّة.. نحن نقف الآن في النقطة الوسطى بينهما، ونطرح رؤيتنا في بعدها الديمقراطي الليبرالي، ونستهدف عمليّة التغيير. نحن ملتزمون بمعايير القانون في سعينا لممارسة سياسيّة رشيدة بعيداً عن جدليّات الماضي التي لم تفض لنتائج.
* لكن المتابع لمشهد حزبكم الآن يلاحظ أنكم نقلتم تجارب الصراع القديم ذاتها وألبستموها ثوب الليبراليّة؟
– أوافقك الرأي؛ الأمر يبدو في ظاهره هكذا، لكنك لا يمكن أن تصل إلى نتائج ما لم تلم بتفاصيل المشهد في كليّاتها، وبمراعاة الظروف المحيطة، وفي جوانبها كافة. صراعات الحزب الآن تبدو مشابهة لصراعات القوى التقليدية بشكل أو بآخر، لكن هذا الأمر يمكن تبريره بأنّ معظم عضوية الحزب هي عضويّة جاءت من تلك الأحزاب، وبالتالي حملوا رؤاهم من تلك القوى، وحالة الديمقراطيّة داخل الحزب الليبرالي فاقمت من حالة المواجهة، وتعدّد الرؤى زاد من حدّة التباينات والاختلافات.
* لكنكم تتبنون نظرية الهدم قبل البناء؟
– بمنتهى الوضوح نحن الآن نمضي حثيثاً في اتجاه بناء الحزب الليبرالي من خلال قاعدة جماهيرية للحزب في مناطق السودان المختلفة.
* يعني عضويتكم كم بالضبط؟
– دي أمور تنظيميّة لا يمكن الحديث عنها لوسائل الإعلام، لكن ما أؤكّده لك أنّ الليبراليين لهم قاعدة كبيرة في البلاد تبرز في حراكهم اليومي في أوساط الجماهير. نحن نملك عضوية في جبال النوبة، وفي دارفور، وفي الوسط، وفي الشرق الأقصى، وفي الخرطوم بالطبع.
* البعض ينظر لكم باعتباركم مجرد حزب رقمي ينشط في الإنترنت؟
– نحن حزب موجود في الشارع، وله مواقفه المشهودة، وحراكه في أوساط الجماهير.. النشاط المحموم للحزب في الميديا الحديثة تأكيد على الميزة النوعية لعضوية الحزب وطبيعة نشاطها. نحن لسنا بعيدين عن مطلوبات الجماهير كما يعتقد البعض.
* خمس سنوات من الغرق في المشكلات؟
– قصدك شنو؟
* بوضوح ما الذي يحدث في البيت الليبرالي الآن؟
– ما يحدث صراعات تنظيمية عادية تحدث في كل المؤسسات السياسية حين تتباين وجهات نظر المنتمين لها.
* لكن الآن الحزب يدخل في دوامة من الاستقالات قد تعصف بوجوده؟
– لا أتفق مع هذا النوع من التحليل، ويمكنني القول، وبثقة، إنّ المشروع الليبرالي سيمضي لتحقيق غاياته.
* حتى بعد استقالة رئيس المجلس السياسي عادل عبد العاطي؟
– لا أحد يمكنه إنكار أنّ الأستاذ عادل عبد العاطي طاقة فكرية وسياسية مميّزة، لكن هذا لا يعني أن نتجاوز الإطار المتعارف عليه داخل حزبنا، والذي يقوم على أنّ الجميع أعضاء، وليست هناك قدسيّة لأيّ شخص مهما كان وزنه.
* لكن البعض يتهمك بتجاوز اختصاصاتك في قبول الاستقالة المقدمة؟
– أنا لم اتجاوز القواعد واللوائح في قبول الاستقالة، بل كان لابد من اتخاذ مثل هذه الخطوة، وذلك للحفاظ على التماسك الداخلي بين عضوية الحزب.. أنا مارست اختصاصاتي وفقاً للمسؤولية الملقاة على عاتقي؛ كرئيسة يجب أن تحافظ على تماسك منظومتها.
* أما كان بالإمكان تجاوز ذلك؟
– أنا حاولت قدر المستطاع إثناء الأستاذ عادل عن استقالته، ولكنه تمسّك بموقفه، فقبلتها للمبررات سابقة الذكر. كما أنّ عملية قبول الاستقالة تمّت لمواجهة الضغوط الممارسة على الحزب، باعتبار أن متّخذيها أعلنوها في وسائل الإعلام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يتقدّموا بها.
* لكنك مارست الديكتاتورية في الأمر كما يقول المستقيلون؟
– لا ادري عن أي ديكتاتورية يتحدثون فلا يمكنك التعاطي مع أمر دون أن تضعه في جوانبه الموضوعية وبلا لجوء للعاطفة. ما فعلته لم يكن ديكتاتورية بأي شكل من الأشكال، في آخر المطاف أنا ما ديكتاتورية.
* لكنك عجّلت بقبول الاستقالة؟
– ما فعلته كان من ضمن اختصاصاتي، ولا يوجد أيّ نص لائحي يمنع قبول رئيس الحزب لاستقالة رئيس المجلس السياسي.
* هل السلطة العليا حسب اللائحة للمجلس السياسي، أم لرئيس الحزب؟
– نحن نطبق مفهوم فصل السلطات؛ السلطة العليا للمؤتمر العام، الذي ينتخب عضوية المجلس السياسي، والمكتب التنفيذي، فرئيس الحزب يمثل السلطة التنفيذية، وعلى هذا الأساس يتخذ قراراته.
* ميادة تعيد إنتاج ذات النهج القديم للأحزاب التقليديّة في التعامل مع الملفّات السياسية؟
– لست كذلك، فالمشكلة تبدو في من تتعامل معهم أصلاً؛ من العضوية القادمة من ذات المؤسسات التقليدية، والتي تتعامل وفقاً للنهج القديم.. نحنا جينا لنعالج اختلالات القديم وليس السير في ذات طرقه.
* قيام (حركة ليبرالية سودانية) ألا يخصم ذلك من رصيد حزبكم؟
– نحن سنمضي في مشروع إعادة البناء كما قلت لك، وليست لنا مشكلة مع قيام تيار جديد يحمل ذات المفاهيم، فالأمر في نهاية المطاف ينصب في ماعون استمرار الفكر الليبرالي.
* يعني ذلك ترحيبك بقيامها؟
– لا غضاضة في ذلك، وأرحب بوجود تيار جديد يعمل في إطار ذات المفاهيم التي نؤمن بها كليبراليين، دون أن يعني ذلك أن تحدث مشاحنات بيننا وصراعات، كما حدث في المنظومات التي انشقّت سابقاً. يعني لا تنتظروا مواجهات بين الحزب الليبرالي والحركة الليبرالية، فنحن تجاوزنا ذلك.
* البعض يتحدث عن عدم شرعية المجلس السياسي والمكتب التنفيذي بعد الاستقالات الأخيرة..!
– لا.. ما زالت الشرعية موجودة ونحن نتعامل وفقاً للوائح المنظمة لنشاط التنظيم.
* كم عدد المتبقّين في عضوية المكتب التنفيذي؟
– هذا سؤال ليس للإجابة، فالأمر يتعلّق بالجوانب التنظيميّة، التي لا يمكن نشرها في وسائل الإعلام.
* وأين شفافيّة الليبراليين؟
– الأمر لا علاقة له بالسعي لتغييب الشفافية، فهي أحد الأركان التي تقوم عليها الليبراليّة، ونسعى لجعلها محدّد العلاقات داخل المجتمع السياسي السوداني، لكن اعفني من الإجابة عن هذا السؤال.
* ليبرالية بتكتيك شيوعي؟
– لا.. فنحن ما نزال نعاني من تطبيقات المنظومات الاشتراكية للفعل السياسي، وهو ما يظهر جليّاً في صراعات الحزب، فمعظم الذين يقودون العمل ينطلقون من أسس اشتراكية، وكانوا أعضاء في تنظيمات شيوعيّة.
* أين تقفون الآن من معادلة الحراك السياسي؟
– نقف في محطّة مواقفنا الخاصة، فنحن لسنا جزءاً من آلية الحوار الدائرة الآن، ولا ننتمي لمنظومة تحالف قوى الإجماع الوطني.
* وليه؟
– بالنسبة للمشاركة في عملية الحوار فإن التراجع الكبير في البلاد يتحمل مسؤوليته وبشكل كبير النظام القائم، كما أن تجارب الآخرين وحواراتهم معه تؤكد على عدم جدواها في غياب التزامه. كما أنّ الضعف الذي يضرب صفوف المعارضة والتحالف يمثل سبباً رئيساً لاستمرار النظام، لذلك نحن نرفض الوجود في المعسكرين.
* وبديلكم شنو؟
– بديلنا العمل مع الجماهير باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية، وقيادتهم لتحقيق تطلعاتهم في الحياة الكريمة التي يستحقّونها.
* وهل ستقومون بذلك من أبراج صفويتكم العاجيّة؟
– لا.. من خلال العمل معها في أمكنة تواجدها، واتهامنا بالصفويّة مرفوض، فعضويتنا جزء أساسي من أيّ حراك يدور في ساحات البلاد؛ فما من نشاط يتمّ إلا وكنا جزءاً منه، عبر حضورنا في الندوات والأنشطة العامة.
* لكنكم أضعتم فرصة الحصول على جماهير من خلال الاندماج مع حزب (الحقيقة الفيدرالي)؟
– (شكلك متابع كويّس).. موضوع حزب (الحقيقة الفيدرالي) دا السبب الرئيس في ما يحدث الآن، فرئيس المجلس السياسي المستقيل كان من أنصار الاندماج معه في منظومة واحدة، وهو أمرٌ بدا غير متوائم مع قناعات الحزب الليبرالي، خصوصاً في ما يتعلق بالخطوات في اتجاه عملية الحوار مع النظام، وعدم ممانعتهم في الجلوس مع الإسلاميين في حركة (الإصلاح الآن)، و(المؤتمر الشعبي)، مما جعلنا نتراجع عن الأمر، وهناك مذكرة تفاهم بيننا. فـ(حزب الحقيقة) يوجد في التحالف الإسلامي للقوى السياسية. بل يمكنك القول إنّه يمثل إحدى واجهات الإسلاميين، لذلك رفضنا انطلاقاً من مواقفنا المبدئية.
* البعض يقول إنّ الحزب الذي بنته نور تاور ستهدّه ميادة سوار الدهب؟
– لا أحد يمكنه إنكار الدور الكبير للسيّدة نور في تأسيس الحزب الديمقراطي الليبرالي، والمجهود الذي بذلته فيه، ممّا يجعل المقارنة معها والأخريات ظالمة لهنّ. لكن في المقابل فإنّ اتّهامي بأنّني أسعى للهدم أمرٌ لا يسنده منطق، فمثلما قدّمت نور للحزب في مرحلة التأسيس، واصلت أنا في ذات المشوار، وأكملت مشاريع البناء التنظيمي للحزب، الذي بات ظهوره ومشاركته في الواقع السياسي واضحة للمتابعين للمشهد. وإن كنت تتحدث عن الحراك الذي كانت تقوده السيدة نور ففي كل الأنشطة أنا موجودة ومتواصلة مع العضويّة، ويشهد على هذا الأمر الصالون الذي يستضيفنا الآن.
* صالونك هو الحزب.. ألا يعني ذلك تكريس الشخصانيّة ذاتها؟
– الوجود هنا تحكمه ظروف موضوعية، فنحن لا نملك داراً لأنّنا حزب غير مسجل عند مسجل الأحزاب السياسية، ليس أكثر من ذلك.
* نجي للتمويل؟
– نحن تمويلنا ذاتي من اشتراكات الأعضاء ولا توجد أي جهة خارجية لنا معها ارتباطات مالية، رغم أن علاقاتنا مفتوحة مع كل تجمعات الليبراليين في العالم.
* استقالة الأعضاء المؤسّسين ستحرمكم من مصادر ماليّة، فما هو تصوّركم للقادم؟
– كما أخبرتك، مسيرة الحزب الليبرالي ستتواصل ولن تستطيع أي قوّة إيقاف اندفاع الليبراليين نحو تحقيق غاياتهم.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع