أهنئكم بحلول الشهر الفضيل، الذي ينبغي أن يعلم المسلم الصبر والجلد ومجاهدة النفس والترفع عن الصغائر.. شهر يفترض أن تطغى فيه الروحانيات على الماديات، ولكن ومع انتصاف شهر شعبان تشهد كل مدننا وقرانا تكالبا محموما على شراء مختلف أنواع السلع الغذائية والمشروبات، وقد ظللت أتساءل عاما إثر عام: هل تكون بيوتنا خالية من الأطعمة في الأيام والأشهر التي تسبق رمضان؟ ماذا يأكل الناس في رمضان: السمك.. اللحم الأحمر والأبيض؟ البيض والزيت.. الرز والرغيف؟ الفول والعدس؟ الخيار والطماطم والخس؟ السبانخ والزبادي؟ أليست هي نفس الأشياء التي يأكلها كل بيت في حدود قدراته المادية في غير رمضان؟ ثم نشتكي من انتهازية التجار الذين يرفعون الأسعار مع اقتراب وحلول رمضان.. طبيعي أن ترتفع أسعار السلع عندما يكثر الطلب المسعور عليها.. طبعا من الطبيعي أن تكون المائدة الرمضانية أكثر دسامة وجاذبية من موائد الأيام العادية، ولكن المواد الغذائية في رمضان وتشرين وديسمبر ومحرم هي هي، فعلام التهافت لشرائها بكميات كبيرة قبل حلول الشهر ثم تبقى البقالات والسوبر ماركتات تعج وتضج بالخلق طوال شهر رمضان لتشهد أواخره هوجة شراء حاجيات عيد الفطر
وكالعادة ستقرؤون في الصحف العجب العجاب عن جرائم ترتكب بـ«اسم» رمضان: هذا طلق زوجته لأنها أكثرت من النقنقة والطنطنة لعدم توفيره لوازم رمضان، وغيره اعتدى على الزوجة بساطور ليكون آخر رمضان لها على وجه الدنيا لأنها شكت من عدم وجود المكسرات في بيتها.. سلوكيات عجيبة تأتي مقرونة بمفردات مثل «قمر الدين» حتى لتحسب أن للدين قمرا يصنع من المشمش ولا يعتبر الصوم مقبولا إلا بوجوده على المائدة!! ولن تسمع أن شخصا قاطع قمر الدين احتراما لمشاعر أهل حماة في سوريا الذين اشتهروا بإنتاج أجود أصنافه وهلك معظمهم في المفرمة التي نصبها بشار الأسد وبلطجيته في المدينة التاريخية وغيرها من مدن سوريا.. وفي مصر تشهد بعض البيوت حروبا أهلية بسبب شيء اسمه ياميش رمضان: يا تجيب الياميش يا رمضان مفيش.. ولماذا لا يعرف الناس أن التين والزبيب مفيدان للصحة والبدن إلا في رمضان؟ أقصد: إذا كنت لا تتعامل مع التين والزبيب في غير رمضان فلا تغير عاداتك الغذائية في رمضان، وخاصة إذا كانت ستكلفك ما لا تطيق ماديا، يعني لا تمارس التبذير في رمضان على حساب مؤونتك لبقية أشهر السنة، ولا تجعل رمضان ذريعة للإنفاق الباذخ حتى لو كنت موسرا، فما بالك بالذي يحصل على قرض بنكي غير حسن لتوفير حاجيات رمضان؟
سأترك لمن هم أطول مني باعا وعلما التحدث عن فضائل رمضان، وسأتحدث عن الرذائل التي نرتكبها ثم نتعلل بأن الصوم سبب لنا انفلات الأعصاب: تبادل الشتائم بين سائقي السيارات.. السرعات الجنونية للسيارات لأن هناك من يعشقون التسكع بعيدا عن البيت حتى آخر دقائق تسبق الإفطار.. المشاجرات هنا وهناك: أنا صائم وخلقي ضايق وأحسن لك تحل عن سماي.. التسيب الفاضح والواضح في أماكن العمل، ولا يعنينا في شيء أن تعطيل مصالح العباد إثم حتى في غير رمضان، والسبب الأساسي للتسيب ليس صلاة القيام ولكن جعل رمضان مناسبة للسمر والسهر حتى مطلع الفجر و«تعطيها نومة حتى أذان العصر.. أو ربما: اللي يصحيني قبل أذان المغرب ذنبه على جنبه».
لهذا يشدني الحنين مع حلول رمضان إلى بلدتي البسيطة بدين في شمال السودان، حيث كان يعيش أهل كل حي نهارات وليالي رمضان سويا يتقاسمون ما عندهم.. في عصر ما قبل المسلسلات والفوازير والكاميرا السخيفة (الخفية).[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]