[JUSTIFY]
أحيي السيد الرئيس وأقول له: المجد عوفي إذا عوفيت وشفاك الله ووقاك من كل شر «وشرك مقسم فوق الدقشم» الصبيان ناس مصطفى عثمان وأحمد هارون ــ ولو الألم بتقسم لحملناه كله عنك لأنك حملت آلامنا وأوجاعنا «25» عاماً ـ والحقيقة يا سيدي الرئيس أن مسيرة «25» عاماً طويلة وشاقة، ولو كان الإنسان مصنوعاً من حديد صلب لانتهت الركب وتغير «الشك ابزوربر ومساعدين اليايات» مرتين أو ثلاثاً، ونحن الآن الركب خارت والضهر عصعص والقنقوس أبى الوقفة وبقينا نصلي جالسين ونسلم على الناس جالسين والحمد للَّه طالما النفس طالع ونازل، والله يدينا حسن الخاتمة.
الضغوط على الجسد
فكيف يكون وضعك أنت الذي سبقت الخمسة وعشرين عاماً هذه بتدريبات الجندية بالكلية الحربية كلها شقاء وتعب من صفا وانتباه وخلف دور ومارشات، وحتى لو وقف الواحد ساكت يعمل خطوة تنظيم بجانب تدريبات زحف الدبيب ومشي التِقل وتخطي الحواجز المائية والنارية والتسلق على الحبال والجري للمسافات الطويلة وعمل الساتر وعمل الكماين، وكيف تتعامل لتجاوز الكمين وتعليم ضرب النار في السوادة والمكباوي كلها ضغوط على جسم الإنسان، ثم جاءت المسيرة لربع قرن من الزمان وكلها سفر وسهر وتاكل واقف وتنام داخل السيارة أو الطيارة، وتنصب عليك المشكلات ليل نهار مافي راحة وحقاً مهلكة، ولكن في سبيل الشعب والوطن يهون كل شيء، وظللت تزور القرى والمدن متفقداً أحوال الرعية، ويقابلونك بالتهليل والتكبير، ومنك الخطب الطويلة التي تتجاوب وتطلعاتهم وأمانيهم، وتفتتح المنشآت الجديدة التي يحتاجونها من مياه وصحة وتعليم، وتبدأ اللقاء بعرضة والشعب كله يعرض معك، وتتعالى زغاريد النساء في بهجة وحبور وترجع منهكاً مرهقاً ويودعونك بهتافاتهم سير سير يا بشير.
الضغوط على النفس
يا سيدي الرئيس طوال هذه المدة لم يغب عنك ذكر الله، وكنت تردد على الدوام «إن الحكم أمانة وفي الآخرة خزي وندامة»، تكرر كثيراً «وفي الآخرة خزي وندامة»، وهذا ديدنك منذ أن وصلتنا قادماً من ميدان القتال من «ميوم» على «4» لاندكروزرات أشعث أغبر ملبياً نداء زملائك لتقود المسيرة، وقدتها بشجاعة وببسالة الجندي السوداني المعروفة «والحارة بنخوضها» كما قال الشاعر الفذ «أبو قطاطي»، وللحق نقول إن الذي تحقق في عهدك الميمون خاصة في النصف الأول لم نكن نحلم به ولم نتوقعه ولم يحدث له مثيل في كل الحقب التي مرت على تاريخ السودان من عمران مشهود مثل سد مروي وتعلية خزان الروصيرص والطرق الطويلة والجامعات العديدة واستخراج البترول وصهر المعادن وفتح مجالات الاستثمارات وجلب رؤوس الأموال الأجنبية والمستقبل الواعد والمبشر بإذن الله.
وحتى الآن لا أرى للإنقاذ بديلاً، فقط عليها أن تطهر نفسها من الأدران والبقع السوداء من ضعاف النفوس الذين قبلتهم وأحسنت الظن فيهم، منهم من نهى النفس عن الهوى وعفت نفوسهم وكانوا عند حسن الظن مثل بكري حسن صالح وعبد الرحيم ومحمد بشارة دوسة وعصام أحمد البشير وابراهيم أحمد عمر وغندور ونهار وأحمد عبد الرحمن محمد والفاتح عز الدين وسعاد الفاتح وآخرين كثر لا يتسع المجال لذكرهم فمعذرة. والبعض كطبيعة البشر ضعفت نفوسهم وامتدت أياديهم الآثمة لمال الشعب الجوعان والمرهق والمتعب ووصموا المسيرة بكلمة الفساد الفساد. وهأنت قد برأت نفسك ودرعت الحبل على عنق أحد وزرائك الأوفياء، وكان هو القوي الأمين وزير العدل حين قلت له: «لا تخشى في الحق لومة لائم وعليك بالتحقيق والتدقيق واتخاذ القانون ولا أحد كبير على القانون» وكل نفس بما كسبت رهينة، والله أعلم بالسراير وما تخفي الصدور «وحفر ايداك وغرق ليك». ونحن لا نرضى لابن دارفور وسليل سلاطينها العظام أن يكون مزبلة ومكباً لأوساخ وقاذروات الفساد والمفسدين من ضعاف النفوس، وعليه كما قال السيد الرئيس ألا يخشى في الحق لومة لائم ويتبع القانون ويرفع كل الذي وصله من ديوان المراجع العام بعد التحقيق للقضاء ويبرئ نفسه والقضاء الذي طبقت شهرته الآفاق في العدل والإنصاف، حتى أن بعض الدول العربية أخذت من تجاربه واحتضنت عدداً من القضاة السودانيين للعمل في بلادهم، وأصبحوا منارات هناك ومصدر فخر للشعب السوداني في تلك الديار. ولحسن الحظ أن السيد رئيس القضاء الجديد وصلتنا سمعته الطيبة قبل أن يجلس على المنصة، وأمامه ميزان العدالة والكتاب والسيف، ومن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، ورد الحقوق لأهلها أمر واجب.
ما أصعب الضغوط على النفس
ومن أقسى وأصعب على النفس تلك الجراح النازفة من القلب لفراق إخوة وأصدقاء أعزاء كانوا هم سند الإنقاذ وركائزها الراسخة، ورحلوا عنا لدار الخلود وقدموا أرواحهم مهراً لبقائها يتقدمهم أمير الشهداء الزبير محمد صالح وعدد كبير من الجنود والوزراء والأطباء والمهندسين ومن التجار وعامة المواطنين الشرفاء، خاصة المئات بل الآلاف من الشباب الغض النضر المتفتحة أمامهم الحياة الواعدة بمستقبلهم الزاهر في دور العلم والجامعات المختلفة، كل ذلك من أجل تقدم البلاد ورفاهية شعبها، فكيف يجوز لشخص زاملهم وعايشهم أن يخون الأمانة من بعدهم وتضعف نفسه الوضيعة ويسرق المال العام ليبنى له عمارات، ويعلم القول «تبني تعلي تفوت تخلي» والحساب قدام عند أعدل الحاكمين إن بطشه لشديد.
كلام عجيب وغريب
كل الناس ينتظرون من شيخ حسن الترابي أن يركب ويحقق قوله «لا بد من محاسبة كل من أخذ شيئاً بغير حق، وعليه أن يرده»، ويعاقب كما قال الشيخ عصام أحمد البشير ولو بيوم سجن ينتهي بانتهاء المحكمة، وتتفاوت الأحكام كما يرى القضاة. وبكل أسف قرأت بجريدة في ركن صغير كلاماً منسوباً لشيخ حسن الترابي أنه قال: «نعمل زي عمل مانديلا أن نصدر عفواً عاماً ونفتح صفحة جديدة» وأنا استبعد هذا، وإن صح ذلك يكون الشيخ قد خرَفْ وأراد اللعب والضحك على الدقون، لأن معنى ذلك «عفا الله عما سلف» بطريقة أخرى، وما عهدنا الشيخ يلعب أو يضحك على الناس، ولا يمكن أن يجعل من السيد الرئيس مظلة للسارقين ويأتي هو المخلص لهم ليهربوا بحقوق الشعب ـ والله يكضب الشينة ـ والعمارات الحكومة محتاجة لها مكاتب بدلاً من إيجار المنازل التي تكلف الخزينة العامة كثيراً، والأموال من الداخل أو من الخارج لابد أن ترجع لتتعافى الخزينة العامة وينصلح الحال، وتتمكن المسيرة القادمة منطلقة بخطى ثابتة.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]