يوسف شاب جميل الخُلق بسيط الملامح لا يعنيه من متاع الدنيا إلا ما يملكه بين يديه وقليلٌ هو ما يملكه يحرث ويزرع فى حواشة تركها لهم والدهم هو وإخوته وبفضل الله من خيرها يقتاتون تنتج لهم ما يكفيهم حتى عامهم القادم وقليلٌ من أنعامٍ تفيض عليهم كذلك من خيرها لبنٍ خالصٍ يسقيهم ويكفيهم وهكذا كانت تمضى بهم الحياة بلا عناء كغالب أهلنا فى أريافنا الحبيبة ولسانهم بالحمد يلهج على ما تفضل به الله عليهم من نِعمه الطيبة..
ربما تتشابه التفاصيل فى ريفنا الحبيب وكما عاش يوسف عاش الجميع فى مستوىً واحد هم كانوا إلى أن جاء الطوفان وبدأ الخلل يُصيب جسم المجتمع المترابط المتشابك بفضل الساسة وسياساتهم العقيمة التى أفرزت دماراً شاملاً لكل مشاريعنا وبنياتنا التحتية وقد أصابت ذاك المجتمع السليم المُعافى فى مقتل وتهتك نسيجه الاجتماعى وأصبح مترهلاً متهتكا ..
انفرط العقد وتشتت حباته ورحل يوسف كغيره يبحث عن قوته فى عاصمةٍ ضمت فى أحشاءها الجميع بكل عِلاتهم وأحدثت فيهم تغييراً هائلاً بعد أن فرضت عليهم ثقافتها المادية للعيش فيها ومن يعيش فيها بلا مال..؟ التحق يوسف رقيباً فى إدارة تتعامل مباشرة مع الجمهور وبيدها سلعة ضرورية جداً كانت شحيحة وكان صارماً أميناً ومحاولات الخبثاء فى اختراقه كثيرة ولا مسافة بينه والثراء الفاحش لو أراد غير أن الفطرةِ السليمة والمنبت الطيب يقفان حائلاً بينه والوقوع فى مستنقعات الخطيئة والفساد..
الكل يتودد أغروه بالمال لم يستجب ، سيارة ، قطعة أرض ، منزل جاهز وغيرها من المُغريات ولكنه كان صلباً عفيفاً نزيهاً عافت نفسه مثل هذه المفاسد تعددت المحاولات عبر كل الأبواب باءت جميعها بالفشل ، فى صبيحةِ أحد الأيام ذهب إلى إدارته رافضاً الاستمرار فى هذا العمل عندما سُئل عن السبب دخل فى نوبة حارة من البُكاء وخرج ولم يعُد ثانية رغم توبيخ البعض له فى عدم انتهازه هذه الفرصة وتركه هذه الوظيفة التى يسيل لها لعابهم..
الآن يعيش فى منزل متواضع لا يملكه هو وأطفاله ويحمل ما يُفيد استحقاقه لسكن شعبى تقف الرسوم المقررة حائلاً بينه وامتلاك استحقاقه ولكنه سعيداً متيقناً بأن من بيده الفرج هو الله..
والله المستعان..
زاهر بخيت الفكى
بلا أقنعة…
صحيفة الجريدة السودانية…