وقد أمضى الامام الصادق نصف قرن متفرغاً للعمل السياسي في الفترة الممتدة بين عامي 1964-2014م وفي فترة الحكومة الأكتوبرية الانتقالية وحكومة المحجوب الأولى وفي الحكومة التي كان يرأسها هو لم يكن سيادته معارضاً وكان مؤيداً في تلك الفترة التي امتدت لثلاثة أعوام «أكتوبر1964- يونيو 1967م» وأمضى عامين في عهد مايو مهادناً للنظام بعد المصالحة الوطنية في عام 1977م وأمضى الفترة التي أعقبت انتفاضة رجب أبريل عام 1985م وحتى الثلاثين من يونيو عام 1989م مؤيداً إذ أنه كان رئيساً للوزراء لمدة ثلاثة أعوام أعاد فيها تشكيل حكومته خمس مرات. وخلاصة القول إنه أمضى تسعة أعوام مؤيداً أو مهادناً وأمضى واحداً وأربعين عاماً من مسيرته السياسية معارضاً لعدة نظم حكم، إذ أنه كان معارضاً لحكومة المحجوب منذ عام 1967م حتى سقوط عهد الديمقراطية الثانية، وظل معارضاً لنظام مايو ولم يهادنه إلا لفترة قصيرة بعد المصالحة الوطنية كما ذكرت آنفاً، وظل معارضاً لنظام الإنقاذ طيلة ربع القرن المنصرم وأعلن في مرحلته الأولى الجهاد المدني ضد النظام وكان في تلك الأيام يبشر في خطبه بدنو سقوطه مع إعلان التزامه بمساعدة أهل الإنقاذ للنزول بسلام من الحصان الجامح الذي يركبون عليه وفشلوا في قيادته وكان يردد ساخراً «الما بعرف ما تدوه يغرف بكسر الكاس وبعطش الناس» وخرج في «تهتدون» وعاد في «ترجعون» بعد أن وجد رمضاء الإنقاذ خير له من نار التجمع المعارض في الخارج الذي رفض رئيسه إعادة هيكلته لتكون الرئاسة دورية أو بأية صيغة أخرى ولإزالة الحرج البروتكولي كان سيادته يتعامل بصفته رئيس الوزراء المنتخب في السودان بدلاً من مخاطبته باعتباره عضواً أو قطباً بالتجمع، وعاد مرة أخرى للمعارضة السلمية بالداخل. وإن قضاء واحد وأربعين عاماً في المعارضة بعيداً عن الحكم والسلطة لم تتح لسيادته الفرص الكافية للانغماس في هموم المواطنين الحياتية اليومية والسعي لإيجاد معالجات لها ولم يرتبط اسمه بإنجاز مشروعات تنموية هائلة أو ثورة زراعية تتبعها نهضة في الصناعات التحويلية ولم يرتبط اسمه باستخراج النفط أو إنشاء الجامعات أو إحداث ثورة تعليمية أو صحية أو في تمديد الكهرباء ومحاربة العطش أو إحداث ثورة في مجالات الطرق والكباري والمواصلات والاتصالات وثورة المعلومات…ألخ. ولكن للسيد الإمام جانباً آخر، فهو مثقف موسوعي من الطراز الأول ومفكر رفد المكتبة بدراسات عميقة وكتب قيمة في مختلف المجالات، وله حضور في الندوات والمحافل المحلية والدولية وله فيها وزنه وثقله الذي لا يستهان به. وفي معارضته السلمية للنظام الحاكم لم يحمل سلاحاً وظل يهادن النظام تارة ويهاجمه تارة أخرى، وله في ذلك طرائف وملح ومن سخرياته اللاذعة أنه خاطب مرة جمعاً غفيراً في قرية طيبة الشيخ عبد الباقي في ندوة عقدت عن مشروع الجزيرة وورد في الصحف التي صدرت في اليوم التالي انه صرح بأن التسمية الصحيحة لمشروع الجزيرة ينبغي أن تعدل لتصبح مشروع «شلعوه الكيزان»، وبعد أيام شهدناه في الفضائية السودانية وهو جالس مع السيد المشير البشير رئيس الجمهورية وأياديهما تتحرك وهما يتكلمان ويتبادلان الابتسامات، ويبدو جلياً أنه ليس بينهما أي مرارات.
وأننا نأمل في القريب العاجل أن تجتمع وتتوافق كل القوى السياسية المتقاربة والمتوافقة فكرياً للدخول في حوار وطني مسؤول بشفافية تامة للوصول لمرافئ آمنة من أجل هذا الوطن الذي أقعدته الخلافات والصراعات والمعارك التي تدور في غير معترك، ولا بد من عقد اجتماعي وسياسي تتم فيه اعتذارات وتنازلات من كل الأطراف، ولا بد أن تتراص صفوف كل قوى الجبهة الوطنية في صف واحد وتتحد كلمتها.
صحيفة الإنتباهة
صديق البادي
ع.ش