في الإسلام ليس هناك رجال دين يحتكرون معرفته فمصادر الدين معلومة ويمكن لأي شخص حتى غير المسلم ان يتعلم منها ولكن تطور الحياة والتقسيم الفني للعلوم فرض التخصص لزوم التجويد فهناك من يتخصص في العلوم التطبيقية وهناك من يتخصص في العلوم الإنسانية وداخل الإنسانية هناك من يتخصص في الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الأديان داخل الدين الواحد كالإسلام مثلاً هناك من يتخصص في علوم القرآن وهناك من يتخصص في السيرة وهناك من يتخصص في الفقه؟ في الفقه هناك من يتخصص في فقه المعاملات وهناك من يتخصص في فقه العبادات وداخل أي من العبادات والمعاملات توجد تخصصات فرعية.
من يتخصص في العلوم الدينية سواء كان تخصصاً مؤسسياً أي حمل شهادات أكاديمية أو تخصصاً ذاتياً مكتسباً يختلف عن المتخصصين الآخرين في أنه يصبح مرجعية لعامة الناس لكي يرشدهم إلى ما يجعل حياتهم متوافقة مع دينهم ولكن المشكلة أصبح هؤلاء الفقهاء يفتون في أمور بعيدة عن تخصصهم أو فقههم المكتسب لا بل أحياناً يبادرون بإطلاق أحكام لا صلة مباشرة لها بأمر ديني من منابر يفترض أن تكون موقوفة حصرياً على الأمور الدينية فقط فأذكر ذات مرة وفي برنامج إذاعي مخصص للفتاوي الدينية من عامة الناس سأل أحدهم الشيخ المحبوب/ محمد أحمد حسن عن استئجار الصحف بمعنى أن يأخذ أحدهم الصحيفة من الكشك ويقرأها ثم يرجعها للكشك مقابل دفع ربع قيمتها فأفتى الشيخ بأنه طالما أنه حدث توافق بين القارئ وصاحب الكشك فما فيها حاجة أي العملية حلال لقد فات على الشيخ أن الجريدة ليست ملكا ًلصاحب الكشك.
الشيخ الجليل/ عبدالجليل النذير الكاروري طالب مؤخراً بأن يقاطع الناس سوق سعد قشرة لأن الملابس المعروضة فيه غير مطابقة لمواصفات الأزياء الشرعية ولاشك أن الشيخ يعلم أن ليس كل المعروضات في قشرة مخالفة للشرع، ويعلم كذلك أن الملابس التي يصفها بمخالفة الشرع تباع أيضاً في غير سعد قشرة . مؤخراً طالب الشيخ الكاروري بإبعاد النفط عن السياسة أي على حكومة السودان أن تلغي قرارها بقفل صنبور النفط لأن الجنوب يدعم الجبهة الثورية ولاشك أن مولانا يعلم أن هذا أمر خاضع للتقييم والجدل السياسي من حق مولانا كمواطن سوداني لا بل كسياسي أن يقول ما يراه من رأي، ولكن عليه أن يعلم أن الناس تتعامل مع حديثه كفتاوي فمثلاً قد يتوقف بعض الناس عن الشراء من سوق سعد قشرة ثقة في الشيخ الكاروري لأنه يعتبر أن هناك فتوى صادرة منه كان يمكن للشيخ أن يوجه حديثه مباشرة للتجار ويطالبهم باستيراد وعرض الملابس غير المخالفة للشرع أخشى ما أخشاه أن تكون آراء الشيخ الكاروري قد صدرت منه في خطبة الجمعة بمسجد الشهيد ونقلها التليفزيون.
مولانا وشيخنا محمد حامد التكينة طيب الله ثراه طلب منه أحدهم أن يفتيه في الذهاب والسفر لأداء واجب العزاء فرد عليه الشيخ وأمام الجمع بأنه من الأفضل إبعاد تصرفات الناس وعاداتهم من خانة الحلال الحرام لأنها تضيق عليهم وأضاف الناس هذه الأيام نسيوا صلة الرحم وأصبحوا لايتواصلون إلا في حالات العزاء فمن الأفضل أن يستمروا فيها لأنهم لايلتقون كأهل في مناسبات غيرها فالشيخ التكينة اتجه باجتهاده إلى سعة الدين وواقع الناس فأصبح أقرب إلى المصلح الاجتماعي وهو فعلاً كذلك لمن يعرفه ونفى عن كلامه صفة الفتوى حتى لايحكم به في كل الأحوال والأزمان.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]