محمد الطاهر العيسابي: بنطلون مبلول !!

شقيقي الأكبر عبدالماجد من خريجي إحدى جامعات القاهرة العتيقة في زمان كان للمدن والجامعات طعمها وحلاوتها وبريقها ومتعتها ، ماجد كمايحلو لنا قرأ معظم الكُتب التي بأرفف مكتبات القاهرة ولم ينقطع عن مطالعة صُحفها التي تصدر صباحاً ومساء طوال الخمس سنوات ويزيد التي قضاها هناك في قاهرة المعز التي لاتعرف أن تنام ليلاً ، شاب خفيف الظل حاضر البديهة يجيد صناعة النكتة ﻻتمل مجالسته ، له طرائف وردود ساخرة تصلح أن تُجمع في كتاب ، كان عندما يرانا نرتدي قميصاً ضيقاً ونحن صغار يقول قولته الطريفة الـ تي شيرت دا بلوهو حتى لبستو وﻻ شنو ؟ فنضحك مقهقهين من مزاحه ونعد ما قال ضرباً من المبالغة والطرفة ، ما كنت أظن في يوم ما أن تكون مبالغة شقيقي الساخرة واقعاً ومشاهداً للعيان ! وأنا أسير في شوارع العاصمة السودانية صباح أمس والجوّ ما بين مشمس وغائم ، أضع مؤشر الراديو على إحدى الإذاعات فيأتيني صوت رجل كبير في السن من خلال نبرة صوته المتهدج وهو متصلاً علي الإذاعة مشاركاً في برنامج تفاعلي خفيف يعبر عن نبض الشارع ، يحكي الرجل بدهشة وتعجب قائلاً بينما كان ذات يوم يستغل إحدى المواصلات بالعاصمة الخرطوم ، يجلس بجانبه شاب مفلفل الشعر ، مخضب اليدين ، يضع سماعات هاتفه على أذنيه غير مكترث لما حوله ، يقول : جلس ملاصقاً لي بالمقعد ، والحافلة تطوي بنا الشوارع المزدحمة ، تقف ثم تواصل المسير ، وفجأة أضع يدي في جيبي لدفع الأجرة ، أتحسس ثيابي فأشعر ببلل نعم مبتلة بالماء في الجانب الذي يجلس فيه الشاب ، يقول الرجل : تماسكت نفسي وظننت أن صيف العاصمة القائظ قد فعل في جلبابي الأفاعيل ، ثم استدركت وسألت نفسي من أين يتصبب العرق إن كنا قد حسبناه كذلك .. أيعقل أن يسيل العرق بجانبي الأيمن مبللا جلبابي إلى هذا الحد ؟، وأنا على هذا الحال أحدث نفسي وكأن شفتاي تتمتم بكلمات ، يقطع تفكيري طقطقة أصابع الشاب للكمساري للتوقف بمحطته وكأنه تلميذ يريد أن يُجيب على سؤال ، نهض الشاب من جواري وحينها نظرت إلى بنطاله فوجدته مبتلاً من حوضه إلى قدميه ، سألت من تحول وجلس إلى جانبي بمكانه ما هذا مشيراً لبنطلون الشاب وهو يهمّ بالنزول فأجابني هذه الموضة يا حاج ! يقول ضربت كفاً على كف وأردفت متسائلاً وأين الموضة هنا يا بني !! أيخرج شاب من منزله مبتل الثياب تعد موضة ؟ أجابني ضاحكاً وكأنه قد سخر مني هذا الجينز الذي يرتديّه الشاب ضيق جداً فيتم بله بماء بها صابون ليسهل لبسه ! يقول الرجل أصبت بدهشة ألجمتني وظليت فاغرا فمي إلى أن فوَّت محطتي ! أصغيت من راديو سيارتي مندهشاً ومنسجماً مع سرد الرجل ، وتيبّست قدمي عند دواسة البنزين وأبطأت السيارة في المسير وكادت أن تَفُوت محطتي أنا اﻵخر ، لوﻻ صوت بوري مُزعج من سائق أمجاد ينبهني لإفساح الطريق ! أنهى الرجل إتصاله مع البرنامج الإذاعي ، وإنتظرت تعليق وتعقيب المذيع عله يفند الحديث أو يصحح ما رآه عمنا ويعزيه لسبب آخر يزيل دهشتي ويذهب حيرتي ، ولكن الدهشة كانت أكبر عندما أقر المذيع بكل ما رآه الرجل وزاد من الشعر بيتين وهو يقول : مُش بعملوا ماء وصابون أحيانا كمان ماء وزيت فيدهن ساقيه ليسهل اللبس ويظهر الجسد !! أيّ والله كما قال المذيع ( ماء وزيت ) !!
تذكرت حينها طرفة شقيقي ماجد منذ سنوات و التي كنا نعدها ضرباً من الخيال .. وحقيقة الجنون فنون والتقليد الأعمي سيذهب بشبابنا إلى التوج !!
بقلم : محمد الطاهر العيسابي
[email]motahir222@hotmail.com[/email]

* لـ صحيفة السوداني

Exit mobile version