كانت تلك الصفات مجتمعة تنطبق على (حامد) ذلك الرجل الريفي القادم مع رياح الشمال، يحمل في دواخله طيبة رمال الحلة وحلاوة رطب النخيل وسهولة وكرم انسياب الماء من السواقي لتروي عطش الجروف .. كان عفويا الـ (في قلبو على لسانه) ورغم نبوغه وتميزه الدراسي في الجامعة فقد كان مشهورا بالتلبيخ والكلام (الخارم بارم) الذي يدخله وأصدقاءه في حرج دائم مع جكسات الجامعة، لعدم ادراكه لما يمكن أن يقال وما لا يقال في حضرة البنات، كان يلتقي بشخصية الزين في رائعة الطيب صالح (عرس الزين) في أنه عاشق دائم للحسان .. ما إن يقع نظره على إحدى حسان الجامعة حتى ينبهل وينداح حبا وتمني ، ومع يقينه من أن عشقه من طرف واحد مثل عشق أبو الدرداق للقمرة، إلا أنه لا يبخل على المحبوبة بمجامع قلبه وعافية بدنه، كان جكس خدمات من الطراز الأول فهو سريع النهمة في المراسيل وحجز المقاعد في قاعة المحاضرات بل لايتحرج من أن (يدرع) شنطة الكتب رغم أنها حريمية الاستايل على كتفه مخافة على كتف الحبيبة من الشيل التقيل.
وعندما يمسك العشق بتلابيبه، وتأخذ به تباريح الهوى كل مأخذ، ينطلق لمواجهة الحبيبة ومصارحتها بحبه الدفين غير هياب من الشواكيش الصاموتية، التي يتلقاها مصحوبة ببعض كلمات تطيب الخاطر على شاكلة:
يا حامد ياخي.. أنا بحس بيك زي أخوي .. حقو تخلينا أصحاب وما في داعي للتعقيدات دي.
فينسحب مقهورا ويعتكف في الداخلية حينا من الزمان حتى تلوح بشائر حسناء جديدة في الأفق فينسى الجراح ويعود تاني من تاني.
بعد التخرج أهّله تفوقه للالتحاق بوظيفة مرموقة، ولكنه ظل على حاله لم يتغير فيه شئ غير تغير مسرح رواشته من الجامعة الى أروقة المكاتب في العمل.
أسر له صديقه الحميم (قسم السيد) بسر، فقد كان يرغب في إكمال دينه ويبحث عن شريكة الحياة مستعينا على ذلك بخبرة زميلاته في العمل، اللاتي يعرفن حدود استطاعته وامكاناته، لذلك طلب منهن أن يبحثن له عن عروس توافق تلك الامكانات.
أسر (قسم السيد) لـ ()حامد أن زميلتهم (صفية) قد رشحت له إحدى صديقاتها، والتي كانت من أسرة ميسورة الحال وتمتلك أسرتها منزلا كبيرا من أربعة طوابق، بالتالي فإن مشكلة السكن محلولة فـ الأسرة قد خصصت لابنتها تلك طابقا كاملا لتتزوج وتقيم فيه.
وهذا يعني أن كل حاجة تمام التمام ولا يعكر صفو الموضوع سوى (إنّ) صغيرة .. ألا وهي أن العروس (كبرت حبة) لكن (ما فات فيها الفوات)، أما مواصفاتها في الجمال فـ تقاس بمقياس (طيبة شديد) !!
أسر (قسم السيد) بكل تلك التفاصيل لـ (حامد)، وأخبره بأنه سوف يلتقي بالعروسة المرشحة عندما تحضر لزيارة (صفية) التي رتّبت للقاء التعارف لديها في المكتب.
حضرت العروسة حسب الاتفاق وجلست تتسامر وتتجاذب أطراف الحديث مع (صفية) و(قسم السيد) حينما مر بالصدفة (حامد) من أمام المكتب، اندفع داخلا لدى رؤيته لقسم السيد وخاطب صفية دون أن ينتبه لمن يوجد في المكتب قائلا:
كده يا خيانة.. قالوا لي جبتي لي صاحبك دا عروس غنياآآنه وبيتم أربعة طوابق.. وكمان حا تسكّنوا معاها.. ياخي بالله ما تشوفي معاك لأخوك المسكين واحدة زيها كده.
طبعا غني عن القول أنو الموضوع طرشق في محلو!!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com