كيف كانت تقوم القابلة التقليدية بعملها وأية معاناة كانت تواجههن؟ كلنا نعلم مدى الأخطار المحيطة بالأمهات الحوامل واحتياجهن الكبير للرعاية الصحية والغذائية الجيدة من الحمل وحتى الولادة لذلك نجد اليوم الحامل تعمل على مقابلة أكبر الاختصاصيين والأطباء للمتابعة الدقيقة لصحة الأم والجنين ووضع خطة للعلاج إن وجدت مشكلة بل وصل الأمر الى اكثر من ذلك حيث أصبح اكتشاف الأمراض والتشوهات التي تصيب الطفل وهو في بطن أمه وفي الشهور الأولى وعلى الرغم من ذلك نجد الأخطاء القاتلة من بعض الأطباء في كل أنحاء العالم ، الداية قديما وفي أزمان سابقة سحيقة أو قريبة لم تتوافر لها كل هذه الإمكانيات ولم يسمع لهن بأخطاء قاتلة سوى أن ينفذ قدر الله سبحانه وتعالى. فالداية هي من تتحمل ضغوط الولادات المتعثرة والحالات الحرجة ونجدها لا تكل ولا تمل ولا يهدأ لها بال إلا بعد تسليم المولود وأمه بصحة وأمان، فالداية قديما في السودان كانت تقليدية تمتلك خبرتها وعملها بالفطرة ويطلق عليها «داية الحبل» وجاءت التسمية نسبة لاستخدامها الحبل في عملية التوليد بالبحث عن هذه التسمية وفي سبيل إيجاد شخص يتحدث عنها أو عمل بها أثمرت جهود شاقة بإيجاد الحاجة فاطمة جاد الكريم تبلغ من العمر زهاء الثمانين عاماً من العمر عملت داية حبل بمناطق سهول البطانة، وقالت سمينا بهذا الاسم نسبة لاستخدام الحبل في عملية التوليد وذلك بربطه فوق عمود عرش البيت أو«الشعبة»وهي دعامة لبيوتنا زمان يوضع في منتصف الغرفة وتكون متصلة بالعرش حيث نقوم بعمل حفرة ووضع برش «نطع» من سعف النخيل وفوقه قماش وغالبا ما كان من الدمورية أو توب الزراق يوضع تحسبا لاستقبال المولود حيث تأخذ قابلة الحبل موقعها في قلب هذا البرش حيث تكون الحامل ممسكة بكلتا يديها عليه وهي واقفة وكنا سعداء بهذه المهنة التي عملنا بها قرابة الـ45عاماً دون مقابل أتنقل بين القرى على الحمير وعلى القدمين ويمكن ان أغيب عن منزلي لأيام تمتد من يومين الى خمسة أيام، ويصدف ان أدخل المنزل بعد عناء ولادة مرهقة ومتعثرة وبعدها بدقائق اذهب إلى أخرى ولم أتذمر أو اعتذر في حياتي يوما واحدا عن نداء لولادة سيدة حامل بل أكون في قمة السعادة وأنا أرى الكل فرحانا بحياة مولود جديد وأم تضع مولودها بسلام وعودة أم وجنينها من معركة الحياة والموت.
1918بداية أول مدرسة للقابلات في السودان خرجت من جزر القمر وليبيا والسعودية وغيرها في العام 1918 كانت «مس وولف»البريطانية تتنقل على ظهر حمار أبيض بين القرى بحثا عن فتيات يعملن في مجال التوليد والتمريض و«ختان الإناث» و«دق الشلوفة» و«الشلوخ»«وتخريم الأذن والأنف» لتعليمهن الطرق الصحيحة والتعقيم، وقامت بفتح مدارس لهن وعلمتهن أسرار المهنة وبدأت بتدريب القابلات التقليديات في عام 1918 وتدريب القابلات الثانويات سنة 1921 بعدها واصلت المسيرة «مس رايت» وتم افتتاح أول مدرسة بأم درمان تلتها قابلات القرويات ببحري سنة 1946 وكانت أول عميدة لها هي ست الدار الجلال عبد الله وافتتحت أول مدرسة خارج الخرطوم بمدينة الأبيض سنة 1948 وكانت أول مديرة سودانية لمدرسة القابلات بام درمان البتول محمد عيسى 1924 وكانت وقتها داية حي وبعد الاستقلال ظهرت القابلات السودانيات منهن حواء علي البصير، وحواء محمد صالح، ورضينا مرسال وبتول آدم، وعلوية عبد الله، والمندام الجيلي، كما خرجت المدرسة قابلات من جزر القمر وليبيا والسعودية والصومال واليمن وتايلند وغيرها من الدول.
قابلات يحفظ لهن التاريخ حقهن في تعليم كبار أطباء النساء والتوليد بالبلاد يحفظ التاريخ معارك ومجاهدات قابلات ضد ولادة الحبل أبرزهن رائدة التمريض والقبالة ست الحسن التي درست بعدها أول دفعة «دينا العطبراوية» التي تخرجت على يد «مس وولف» والأطباء السودانيون تلاميذها الدكتور محمد أحمد علي وزير الصحة الأسبق والدكتور أحمد زكي مدير الخدمات الطبية الأسبق ودكتور عبد الحليم ودكتور العتباني ودكتور شداد ودكتور بيومي وحصلت دينا على نيشان هدية من الملك جورج الخامس قلدته لها عقيلة الحاكم العام وعملت بمستشفى أم درمان الذي كان مبنياً من الجالوص والعنابر من الخيام والرواكيب وغرف العمليات كانت تضاء بلمات البارثوماكس وتنام المريضات على عناقريب السدر.
أول قابلة معروفة في العهد التركي وأول قابلة قانونية كرمتها الأمم المتحدة لخدمتها الطويلة بدون أجر أول قابلة سودانية ولدت إبان الحكم التركي المصري بمدينة أم درمان وتعتبر أول مبشرة صحية، كما أنها أول داية حبل رحبت بفكرة استخدام الطرق الحديثة في الولادة، أما في فترة الاستعمار الانجليزي فقد برزت بتول محمد عيسى من اوائل خريجات مدرسة الشيخ بابكر بدري برفاعة ومن أوائل القابلات في السودان، وقد عملت فترة سبعة وستين سنة أغلبها دون أجر وقد عملت مدرسة بمدرسة القابلات برفاعة وكرمتها الأمم المتحدة لخدمتها الإنسانية الطويلة دون أجر.
صحيفة الإنتباهة
نهى حسن رحمة الله