تشهد الخرطوم اليوم زخماً ، هو الاول من نوعه بعد صدور قرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس عمر البشير ، عندما يحط فى مطار الخرطوم وفدان غاية فى الاهمية فى مسار قضية السودان والمحكمة , الاول هو وفد حكماء أفريقيا برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو امبيكي بهدف تقويم المحكمة الوطنية الخاصة بجرائم الحرب في دارفور بحسب التفويض الممنوح لهم من قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة , والثانى هو وفد المبعوث الامريكى الجديد الخاص بالسودان, الجنرال سكوت جرانشين . وتنبع اهمية زيارة وفد حكماء افريقيا من كونه سينظر فى الاجرات المتبعه من قبل وزارة العدل السودانية بجهة المحاكمات الداخليه التى تجريها الحكومة السودانية , وكانت قمة الاتحاد الافريقي المنعقده اخيرا فى اديس ابابا اوصت بسفر هذا الوفد لاجراء تقصى شامل حول المحاكمات حتى يتسنى لها الدفع بمخرجات هذا الوفد فى حال ماكانت ايجابيه , عند تقديم طلبها بضرورة تجميد قرار المحكمة بتوقيف الرئيس البشير , بالاستفاده من نظام العدالة التكامليه المنصوص عليه فى ميثاق روما , حيث انه لاسبيل لتجميد قرار المحكمة من قبل مجلس الامن دون ان يستوثق المجلس من أن السودان يجرى محاكمات حقيقية للمتهمين فى دارفور , وهو مايقودنا بالضرورة الى تصريح الامين العام للامم المتحده بان كى مون الذى اوضح من خلاله ان الفرصة مازالت مواتيه للسودان لاثبات حسن نيته باجراء محاكمات حقيقيه وفعاله فى دارفور , ويرى كثير من المراقبين ان السودان تباطأ كثيرا فى شان هذه المحاكمات حيث يقول الامين العام للجامعة العربية فى حوار مع (الشرق الاوسط) قبل بدء القمة العربيه فى الدوحه عندما قال ” ربما يكون هناك تباطؤ فى خطوات الخرطوم , كما هناك تسارع فى خطوات المحكمة الجنائية ” وعمرو موسى لم يقف عند هذا الحد بل زاد عليه فى نفس الحوار عندما ساله محاوره عن مدى اعتقاده بان الطريقة التى يتعامل بها السودان مع الوضع (هل تتسم بالانفعاليه والعاطفيه ؟) ليقول موسى “نعم … مواقفهم الاولى , لكن عند التعامل مع المحكمة ومع القضية دوليا وافريقيا وعربيا يجب ان يكون له قواعد, وارى ان النظام العام للمحكمة يجب ان نسير عليه ” ليقول بعدها : وهذا موجود فى الاتفاق بين الجامعة العربية, والحكومة, بانه يجب محاكمة المتهم طبقا لقانون يجرم نفس الجرائم المتهم بها دوليا ,وبالتالى يجب على القانون الجنائي السودانى ان يعدل ليتضمن الاشاره الى جرائم الحرب ,وهذا موقف اخذته الجامعة العربية قبل سنوات , حيث طلبت من الدول العربية تعديل قوانينها, والسودان نفسه ادخلها فى القوانين العسكريه , وطلبنا منهم ادخالها فى القانون الجنائي وهو الان امام البرلمان . انتهى حديث موسى .
حسنا الجامعة العربية لديها اتفاق مكتوب من حكومة السودان لاجراء محاكمات فعليه , وتطالب الخرطوم بتعديل القانون الجنائي , وبما ان الجامعة العربية ,والاتحاد الافريقي يتوليان( سويا) الدعوة لتجميد قرار المحكمة بحق الرئيس البشير , الا اننا نجد ان هذا التحرك مشروط من جانبهم باجراء المحاكمات وتعديل القانون , وهو مايقودنا تلقائيا الى زيارة الرئيس ثامبو امبيكى لتقيم الوضع , وهنا نجد ان السودان الى الان لم يعدل قانونه الجنائي ليتضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانيه , مع اقرارنا بانه بدأ (تحقيقات جديه) وليس (محاكمات) بشان الجرائم التى ارتكبت فى دارفور , وعين فى سبيل ذلك مولانا ابراهيم نمر .
وكان القاضى نمر اعلن قبل ايام فى الخرطوم ان تحرياته متواصله بجهة الوزير احمد هارون , وانه اعاد القبض على القيادى بالدفاع الشعبى على كوشيب ,واربعه من ضباط القوات المسلحه, وهم الذين عرفوا باسم مجموعة النقيب حمدى شرف الدين , لكننا بالمقابل نجد ان الوزير هارون شن هجوما لازعا على وزارة العدل ووصف تصريحات نمر بانها تعبر عن مجموعات معزوله داخل وزارة العدل , وامس عندما سالته صحيفة الشروق المصريه عن الامر رفض التعليق .
تبقى هناك نقطه مهمة للغايه, وهى مسالة تعديل القانون بادراج مواد خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانيه , وهى التى تتباطا فيها الخرطوم بصورة تدعو للدهشه , مع انها تعلم علم اليقين ان لاسبيل للاستفاده من مبدأ التكامليه فى ميثاق روما دون ان تعدل القانون الجنائي , وفى الوقت الذى يقول فيه عمرو موسى ان التعديلات امام البرلمان , نجد ان الجهاز التنفيذى للدوله يؤخر تعديل القانون بحسب وزير عدل حكومة الجنوب مولانا مكواى , بينما نجد ان البرلمان استدعى نوابه الى جلسة طارئه لاقرار قانون يمنع محاكمة السودانيين فى الخارج , مع انه كان يمكن له وبسهوله ان ينظر فى اولياته بتعديل القانون الجنائي وهو المطلوب دوليا واقليميا وعربيا وافريقيا, حتى يساعد نفسه ويساعد غيره على مساعدته .
ومن ماسبق يتضح ان الحكومة فى الخرطوم ستكون امام مازق كبير للغايه , لانه من الواضح انها وعدت الجامعه العربيه والاتحاد الافريقي بانها ستحاكم المتهمين فى دارفور , وهو ما سياتى امبيكى ووفده للنظر فيه , ويتمثل المازق الاكبر فى انها عند تقديمها لدفوعاتها حول جديتها فى اجراء المحاكمات سيكون امامها واحد من اثنين , اما ان تكشف النقاب للجنه عن امر التحريات الخاصه بالوزير هارون لتثبت جديتها , او تواصل فى سياسه التلكوء وهو ما سيقود الى نتائج غير ايجابيه بالمره , وفى كلتا الحالتين فانها ستخسر , فلو انها قالت انها تتحرى وستحاكم هارون وكوشيب الموجود حاليا هو وضباط الجيش الاربعه كما اسلفنا داخل حراسات وزارة العدل , فانها ستخسر الوزير هارون الذى يعتقد ان وزير العدل, واركان وزارته يتربصون به, وهو ماسيفتح علي الحكومة بابا لاتريد ان تهب الرياح منه على الاقل الان , وان هى صمتت وتلكأت فانها ستخسر الاتحاد الافريقي والجامعة العربية على السواء لان المؤسستين ينتظران محاكمات فعليه وحقيقيه .
زيارة المبعوث الامريكى :
وبعيدا عن مبانى وزارة العدل التى احسب ان اركانها ستشهد سجالا وتوترا غير مسبوق كما اسلفنا , نجد ان وزارة الخارجية السودانية , والقصر الجمهورى سيكونان محل ترقب وتوجس بجهة زيارة المبعوث الامريكى الجديد الجنرال سكوت غرايشن, عندما تحط طائرته صباح الاربعاء فى مطار الخرطوم , فى اول زياره له للسودان بعد تعيينه , ومبعث القلق والتوجس بحسب مانرى يكمن فى التصريحات التى ادلى بها الرئيس اوباما للصحفيين فى اعقاب لقائه, ووداعه فى نفس الوقت ,للجنرال سكوت امس الاول فى البيت الابيض وهو فى طريقه الى السودان, حيث قال الرئيس اوباما ان السودان معرض لأذمة عاجلة بسبب قرار الحكومة السودانية طرد بعض جماعات الإغاثة من دارفور, ليوضح اوباما أن جريشن سينقل الى السودان “لدينا أزمة عاجلة نتيجة لطرد حكومة الخرطوم منظمات غير حكومية تقدم المعونة الى النازحين داخل السودان.” ويبدو أن الحكومة الامريكيه اختارت أن تلعب فى ميدان طرد المنظمات الانسانيه ال 13 التى قامت بها الحكومة السودانيه أخيرا, بعد أن نأت بنفسها عن موضوع المحكمة الجنائيه الدوليه بقولها, انها غير معنيه باعتراض طائرة الرئيس البشير حال سفره خارج السودان بحسب ماصرح به المتحدث باسم البيت الابيض أكثر من مره , وهو مايقودنا بالضرورة الى تصريحات القائم بالاعمال الامريكى بالخرطوم البرتو فرنانديذ , التى ادلى بها عند خروجه من وزارة الخارجية السودانية عندما زارها لاخبارهم بنباء زياره المبعوث الامريكى, حيث نجد فرنانديذ يقول بكل صراحة ” ان الادارة الاميركية أبدت مرونة تجاه قضية طرد المنظمات الاجنبية والوضع الانساني في دارفور،وعلى الحكومة بمقابلة ذلك بمرونة اكبر” وهو مايعنى بوضوح ان الولايات المتحده قدمت (السبت ) وتنتظر (الاحد ) من الخرطوم , ليكشف بعدها بحسب مانقلت عنه صحيفة( الصحافه) : إن الحوار بين الادارة الاميركية والحكومة السودانية مستمر، وان ادارته تبحث مع الخرطوم عن الطرق المناسبة لدراسة المشاكل والعقبات والتحديات المشتركة لتقوية الحوار من اجل تسوية القضايا العالقة التى تعطل تطبيع العلاقات بين البلدين،وان الفترة المقبلة تحتاج الى «ابداع دبلوماسي» و انه يناقش مع المسؤولين ايجاد بدائل و “خطوات براغماتية فعالة” انتهى حديث فرنانديذ.
حسنا الادارة الامريكيه ترجو من الخرطوم أن يكون لديها (ابداع دبلوماسى) بجانب (الخطوات البرغماتيه الفعاله ) . ويقول الرئيس اوباما فى هذا الصدد وهو يودع مبعوثه اسكوت للسودان انه “يجب علينا ايجاد الية لاعادة تلك المنظمات غير الحكومية والغاء ذلك القرار او ايجاد الية يمكن بها تفادي ازمة إنسانية هائلة.” وهو مايفكك تصريحات القائم باعمال سفارة بلاده , حيث ان( الابداع الدبلوماسى ) يقابله (ايجاد اليه يمكن بها تفادى الازمة الانسانيه ) والخطوات البراغماتيه الفعاله , تقابلها (ايجاد اليه لاعادة تلك المنظمات او الغاء ذلك القرار ) وكلا الخيارين سيدخلان حكومة الخرطوم فى ورطه حال مااستجابت لاى منهم .
وكانت الاداره الامريكيه استبقت زيارة مبعوثها للسودان , بتبنيها لبيان صدر من مجلس الامن قبل يومين , وافق عليه غالبية اعضاء المجلس الخمسة عشر مندوبا بمافيهم ليبيا وجاء فى البيان” ان المجلس يحث حكومة السودان على مواصلة التعاون مع الامم المتحده ومنظمات الاغاثه ويناشدها باعادة النظر فى قرار تعليق أنشطة بعض المنظمات غير الحكوميه فى السودان .”وهو مايشرح لفظ(المرونه ) الذى ساقه البرتو فرنانديذ , بمعنى ان امريكا كان يمكن ان تضغط لاصدار قرار يحتوى على طلب اكبر من المناشده, وحث الحكومة على اعادة النظر فى طرد المنظمات , لكنها تنتظر من الخرطوم الابداع الدبلوماسى حيال القضيه .
وعلى كل حال فان زيارتى امبيكى , والمبعوث الامريكى ستضعان العاصمة الخرطوم فى صفيح ساخن , بعد ان استمرت لاكثر من اسبوعين وهى منتشية بالالتفاف الشعبى , وسفر الرئيس لدول الجوار والقمة العربية , لكن يبدو انه جاء اوان دفع الثمن المقابل لهذه النشوى , خاصة وان المبعوث الامريكى سينظر فى امر تفعيل اتفاق السلام مع الجنوب والعمليه السلميه فى دارفور بحسب قول الرئيس اوباما , فهل الخرطوم مستعده ؟ .
القاهرة :عمار عوض الشريف