والغريب ان الترابى الذى وضع هذا القانون المتشدد هو نفسه صاحب الفتوى التى اثارت اعجاب علماء المسلمين، وأّذهلت الفرنجة عندما سألوه عن رأيه فى إمراة أمريكية بيضاء أسلمت فهل تبقى مع زوجها المسيحى ام تُطلق منه ــ وكان الترابى وقتذاك فى زيارة الى أمريكا فى نفس السنة التى أصدر فيها القانون الجنائى لعام 1991 ــ فأفتى بأن تبقى معه، وبرر فتواه لمن احتج على صحتها بعدة اسباب: أولا، بأنه لا يوجد نص أو سابقة فى ادبيات الاسلام يعتد بها، فلم يحدث أن اسلمت إمرأة كانت متزوجة رجلا من أهل الكتاب فُطلقت منه وانما اللائى طلقن لاسلامهن كن زوجات لكفار. وثانيا، إن الحكم بتطليق المرأة الأمريكية من زوجها وحرمان الأطفال من رعاية الأبوين قد يؤلب المجتمع الأمريكى غير المسلم على الاسلام ويظهره بمظهر الدين الذى يمزق الأسرة ويشرّد الأطفال، فيعطى بذلك فكرة سلبية عن الاسلام ولا يشجع الامريكيين الراغبين على اعتناقه. وثالثا، ان اسلام المرأة رغم الآلة الاعلامية الضخمة المضادة للاسلام فى امريكا، يدل على قوتها وصدق اسلامها وهنالك فرصة فى ان تهدى أسرتها الى الاسلام .. لذلك أفتى ببقائها مع زوجها، فكفى الاسلام شر الخبثاء وأبقى على تماسك الأسرة، وفتح الباب أمام آخرين لاعتناق الدين الحنيف.
كانت تلك فتوى الترابى التى أذهلت العلماء وأخرصت الأعداء .. ولكن إذا كان الترابى بهذا الفهم العميق للدين، فلماذا وضع قانون عقوبات متشدد وحشده باالكثير من المواد والعقوبات المثيرة للجدل، عندما كان عراب السلطة الوحيد فى السودان ..؟!
هل هو تعسف ام ترهيب ام انفصام فى الشخصية كما يزعم (اندرو ناتسيوس) المبعوث الامريكى السابق للسودان الذى وصف الترابى فى كتابه (السودان، جنوب السودان ودارفور) بأنه (ترابيان) وليس واحدا .. الترابى الداعية الاسلامى المعتدل عندما يكون خارج السلطة او يتحدث بالانجليزية او الفرنسية مع الغربيين، والترابى صاحب الفكر الدينى المتشدد عندما يتحدث لاتباعه بالعربى أو عندما يكون جالسا على كرسى السلطة ..!!
صحيفة الجريدة
ع.ش