هاتوا بعنوان لهذا المقال
[JUSTIFY]
من هواياتي، مطالعة الأطلس، فكلما أحسست بالملل، فتحت أطلسا وتمعنت في محتويات القارات والبلدان، وصار الأمر أكثر إمتاعا بعد صدور أطالس موسوعية، ثم خرائط غوغل، ولعل مرد احتفائي بالأطالس هو أنني كنت ومازلت شغوفا بمادة الجغرافيا.. هوايتي الأخرى هي اقتناء القواميس، وعندي منها في البيت أكثر من ثلاثين، فلدي تقريبا قاموس انجليزي عربي او عربي انجليزي لكل التخصصات والميادين العلمية، ولم يكن ذلك بدواعي أكل العيش، أي لأنني اعتشت من الترجمة لسنوات طويلة، ولكن لأنني أحب سبر أسرار وأغوار الكلمات.. وكلما طالعت القواميس أدركت ضآلة حصيلتي اللغوية، أو أنني كنت أخطئ في استخدام أو نطق كلمات معينة.. وهناك كتاب كثيرون أقرأ لهم لأن «لغتهم» جميلة.. حتى لو كانت الأفكار في مقال ما مستهلكة ومطروقة ولا تعجبني فإنني قد اقرأه إذا كان لكاتبه أسلوب جميل أخاذ.. وربما يفسر هذا لماذا قد لا يمر يوم من دون ان اقرأ شيئا من الشعر، حتى ولو كان على شاكلة «سحرك يغمرني كماطر السحب.. كغارات الشبيحة على حماة وحلب.. ولكن ما أجمله من مطب» أعني به الكلام المرصوص شبه المسجوع الذي تنشره الصحف على أيامنا هذه على أنه شعر.. وأتى علي حين من الدهر كنت فيه أقص الشعر المنشور في الصحف والمجلات، وأحمل القصاصات معي أينما ذهبت، إلى أن تعلق الأبيات الشعرية التي تستهويني بذاكرتي، ولكن لم يعد في الذاكرة متسع حتى لأسماء الناس بعد ان امتلأت بأرقام الهواتف وكلمات السر/ المرور الخاصة بالبريد الالكتروني وفيسبوك وبطاقات سحب النقود وأرقام مساكن الأهل والمعارف.. وأكثر ما يرهقني في العيش في منطقة الخليج هو تذكر الأسماء: أجلس مع مجموعة وآنس لها ويشدك كلام هذا وآراء ذاك، وأحاول مبادلتهم الحديث فاكتشف أنني لا أتذكر أسماءهم، رغم ان هناك من قدمهم إليّ.. كيف تحفظ أسماء عشرة أشخاص أربعة منهم يحملون كنية ابو محمد وثلاثة كنية ابو عبدالله.. والثلاثة الآخرين غير متزوجين وأسماؤهم الأولى عبد الله.. صرت كلما التقيت خليجيا أعرفه أناديه: هلا بو محمد فإذا تجاهلني صحت: هلا بو عبدالله فـ«تطلع صح».. في دولة قطر حيث أقيم منذ سنوات يحمل 75% من الذكور واحدا من الأسماء التالية: عبدالله، محمد، حمد، جاسم، ناصر، سلطان، خليفة، سالم، منصور.. ونحو 15% أسماؤهم بالتحديد عبدالعزيز وعبد الرحمن.. وتقول المعلومات المتوافرة لدي من واقع دليل الهاتف ان هناك خمسة جعافر يقيمون في قطر ثلاثة منهم سودانيون والاثنان الآخران باكستانيان الاسم الأصلي لكل منهما «ظفر» ولكن شركة الهاتف «جعفرتهما».
هدفي من مقال اليوم هو حث الطلاب على عدم إهمال الجغرافيا، لأن من لا يفهم الجغرافيا لن يفهم ما يحدث في العالم، ولكن الاستطراد الجاحظي ذهب بي بعيدا.. يحزنني ان أشهد نفور الطلاب من الجغرافيا رغم ان دراستها فيها متعة «اكتشاف» المجهول، وسبر أغوار المعلوم.. والسبب في نفورهم هو أننا وفي السنوات الأخيرة- وربما بسبب مركب نقص – صرنا نقسم منهج الجغرافيا إلى عالم عربي وعالم أجنبي.. ونلقن عيالنا عاما بعد آخر كلاما ممجوجا عن ان السودان «يمكن» ان يكون سلة غذاء العالم وان مناخ البحر الابيض حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء.. ويصدق الطالب ذلك ويذهب مع اهله إلى اسبانيا في الشتاء فيخرج إلى الشارع بملابس الصيف فيصاب بانفلونزا الدجاج فيسيء الظن بالجغرافيا ويعتبرها تخاريف.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]