عبد الباقي الظافر: خلي بالك من زيزي..!!

بدأت الحسناء المصرية كأنها في عالم آخر والمضيفة تطلب منها إخلاء المقعد للباشا.. حينما انتبهت زيزي الشرقاوي كان رجل الأعمال السوداني محمد حمدان يعالج الأمر ويجلس بهدوء في المقعد المجاور.. من تحت النظارة السوداء حركت الشابة زيزي بصرها نحو الجار الغريب.. بدا الرجل أسود حالك السواد تعلو خده نقوش خفيفة كأنما النعمة انتصرت عليها وطمستها.. جلبابه الأبيض والملفحة الداكنة والعمامة الضخمة أضافت للرجل غموضاً.. كانت زيزي قد قررت في بداية الرحلة أن تغير مقعدها.. ربما تجد مجالاً للنوم.. خاصة أن مشكلتها مع خطيبها نشأت قد منعتها من النوم ليلة البارحة.. حينما تسرب الى أنفها رائحة عطر باريسي فاحت من بين ثياب الرجل عدلت من فكرتها وتأكد لها أن الرجل الذي يبدو ثرياً قد يكون مفتاحًا مهماً في رحلتها الأولى لبلاد السودان.
محمد حمدان كان يتمعن في البشرة البيضاء التي تكاد تكشف لون الدم .. شده الشعر المسدل والجسد المائل للبدانة.. قال لنفسه ليس لرجل متزوج من سيدتين أن يفكر بطريقة المراهقين.. قبل أن يكف بصره كان هاتفه يصرخ.. من الجانب الآخر جاء صوت فيه ملامح الصعيد المصري.. حديث الملايين شد الباحثة في مركز الأهرام للدراسات.. حاول محمد حمدان أن يختصر في الحديث فيما محاوره يسهب في التفاصيل… انتهت المكالمة بنداء شد الأحزمة.
حضرتك شغال في أي مجال.. رد حمدان بهدوء محفوف بالخجل مجال التجارة يا أستاذة.. بدأت زيزي تعرض بضاعتها وأخبرت رفيق الرحلة أنها تزور السودان في إطار عمل ميداني يستهدف استطلاع آراء السودانيين في سد النهضة الإثيوبي.. ثم مضت زيزي بذات الحماس تشرح أنها تأخرت أمس عن مرافقة الوفد لظروف عائلية.. كان حمدان يرد في كلمات قلائل تجعله يبدو كرجل مهم.. ساعات الطيران ولدت ألفة بين عالمين.
في مساء اليوم التالي كان محمد حمدان ينصب مائدة دسمة ببرج الفاتح بالخرطوم للأساتذة زيزي ورفاقها في الوفد المصري.. بدا أن كليهما وجد نفسه في الآخر.. الحاج حمدان سيعالج كل مشكلات زيزي.. ست سنوات تنتظر خطيبها في إكمال مراسم الزواج ولكن كل شيء في مكانه والسبب شقة سكنية.. السيد حمدان بسبب عمله في صادر الجمال واستيراد الفاكهة من مصر كان يبحث عن واحة في قاهرة المعز.. كان يدرك أن بريقه فيما يملك من دنانير.
حينما عادت زيزي لمصر همست في إذن أمها.. الحاجة نبيهة بدأت تولول على حظ بنتها الذي جعلها تفكر في الزواج من سوداني في عصمته سيدتين.. مع كل رشفة من الشيشة كأن الفكرة تروق لأحمد الشرقاوي الشقيق الأكبر لزيزي.. سحب الدخان أكملت رسم السيناريو..(اعتبريه متل السياح العرب عيشي معه شهرين تلاتة وخدي الكنز على سنة الله ورسوله يا زيزي).. تنهدت حاجة نبيهة وبصوت عالٍ ردت على ابنها (والولد نشأت المنتظر زيزي ست سنوات).. رد الشرقاوي بفهلوة (خليه يا ست ينتظر ستة أشهر وكل المشاكل يحلها الباشا السوداني).. اختتم الشرقاوي حديثه واعدًا بالتفاهم مع نشأت لإكمال الصفقة.
اكتملت أركان عملية النصب على رجل الأعمال السوداني برضاء ومباركة نشأت.. الخطة تقتضي امتصاص أكبر قدر من المال.. شراء شقة سكنية باسم زيزي.. فتح شراكة في تجارة اللحوم مع أحمد الشرقاوي.. كانت زيزي مترددة في قبول الفكرة.. كانت تتذكر كرم الرجل.. ماذا إذا لجأ حمدان الى زملائها حال اكتشاف الغدر.. حماس نشأت وشقيقها الأكبر جعلها توافق وتبدأ في خطة استدراج العشيق الثري.
اكتمل كل شيء للفرح..كان حمدان كلما زار أصهاره يجزل العطاء لرمضان البواب في العمارة المجاورة.. تعلم من الأيام أن أصعب المهمات يقوم بها رجال عاديون من شاكلة العم رمضان.. زار حمدان شققاً كثيرة في مصر الجديدة بعد أن اتفق مع أصهاره ان تكون هديته لزوجته شقة فارهة.. بدأت هواجسه تزيد باندفاع أحمد الشرقاوي على إكمال الزيجة والدخول في عالم البزنس.
غادر حمدان الفندق باحثاً عن خلفية صهره الجديد.. وعند رمضان أسرار البيوت ..توقفت عربة التاكسي ونزل السائق طالباً من العم رمضان ان يتقدم للشارع العام ..فيما كان رمضان يتناول بشره قطعة من الدجاج في مطعم بابا سعيد بدأت المعلومات تنساب..الست زيزي جدعة وبت بلد..بس سي احمد عندو مشاكل كبيرة..مرة ضبطوه في شغلة مخدرات أخد فيها سنتين..بس يا باشا أنا مستغرب في نشأت ..دا كان بيموت في الست زيزي..إزاي وافق وانسحب من الموضوع.. الصدمة لم تمنع حمدان من السيطرة على مشاعره.. دس مائة جنيه في يد العم رمضان طالباً ان تتولى زوجته أسماء تزويده بكل المعلومات..اغلب الظن ان البطل يخطئ حينما يستخف بشخص الآخر..كل المعلومات تؤكد ان احمد الشرقاوي ظن ان حمدان مجرد رجل ساذج.. الايام بيننا يا سادة.
في اليوم التالي قام حمدان بتصميم خطته في المدافعة..طلب من أصهاره هدم منزل الأسرة المتصدع وبناء عمارة جديدة يتكفل بكل تكاليفها..طلب من زيزي ان تسافر معه الى لبنان ومن بعدها للخرطوم .. ثم العودة للقاهرة للإشراف على تشييد العمارة الحلم ..إمعاناً في التخدير نقل حمدان اسرة أصهاره الى شقة في المهندسين دفع مقدم شهرين..استجاب لابتزاز الشرقاوي حينما ضاعف من تكلفة تكسير البيت القديم .
بعد ان استوى المنزل القديم على الارض جاء حمدان بصديقه الصعيدي للاتفاق على التفاصيل ..طالب حمدان بتسجيل البيت باسمه وتخصيص الطابق الأرضي لزيزي وخطيبها نشأت..ساد الصمت ودخلت زيزي في نوبة بكاء فيما تطاير الشرر من أعين احمد الشرقاوي..خرج حمدان مهملاً الاسرة يومين للتفكير ولكنه لم يعد أبداً.

عبد الباقي الظافر– الصيحة

Exit mobile version