أحمد الرويان: أما آن لمدير التلفزيون أن يترجل

أواخر العام الماضي احتفل التلفزيون القومي بيوبيله الذهبي، احتفال رغم مساعي الإدارة الحثيثة خرج في حلة بالية نظراً لما يعانيه منسوبو هذا الجهاز الحيوي من شظف في العيش معنوياً ومادياً، ولعله من سخرية القدر أنه في الوقت الذي كانت فيه جيوب العاملين في التلفزيون تشكو الفراغ أقامت إدارتهم احتفالاً بذخياً وكأنها شركة بترول تحتفي بإنتاجها الغزير ورفاه منسوبيها.. في مطلع العام 2010 بدأت إدارة التلفزيون القومي بقيادة المدير العام محمد حاتم سليمان التحضير للاحتفالات بيوبيله الذهبي وانعقاد مؤتمر الإذاعات والتلفزيونات العربية بالخرطوم على شرف المناسبة، دعا سليمان جميع العاملين لاجتماع جامع ضاق به أكبر إستديوهات التلفزيون إستديو علي شمو، حينها كنت مذيعاً متعاوناً بإدارة الأخبار بالتلفزيون، في هذا الاجتماع تحدث المدير العام كما لم يتحدث من قبل عن آماله وتطلعاته واستبشاره بالعام الجديد واليوبيل القادم وتقنيتي (المينوس)، ومن ثم أطلق العنان لأحلامه.. قال محمد حاتم سليمان إنه سيقوم ببناء برج شاهق للتلفزيون يستوعب كل أنشطة الإنتاج التلفازي ويحوي عدداً من القنوات التي ينوي التلفزيون إطلاقها. ثم سرح بخياله أكثر وقال إن هذا البرج سيكون موصولاً عن طريق نفق أرضي بإستديو عائم على النيل قبالة مباني التلفزيون وإن شارع النيل أم درمان سيمر من فوق هذا النفق، ثم ضحك ضحكة ماكرة وقال: أعلم أنكم تضحكون علي وتظنون أن هذا مستحيل.. لكم أن تطلقوا عليّ من الآن بدلاً عن محمد حاتم (محمد حالم).. أؤكد لكم أن هذا سيتم خلال سنوات قليلة وسترون… وأطلق المدير الحالم على ذلك العام (2010) شعار (شاشتنا حلوة)، وتحدث كثيراً عن تحسين بيئة العمل وعن وعن وعن …
أنا بالتأكيد لا أعيب على الرجل حلمه إذ هو حلم جميل لكنه ليس من الأولويات الملحة.. إن النجاح الكبير الذي حققته قناة (النيل الأزرق) – على سبيل المثال ـ جاء لأن إدارتها تهتم بالإنسان قبل المكان، وهي لمن لا يعلمون لا تملك إلا إستديو واحداً صغيراً وبضع كاميرات.. الآن مرت ثلاثة أعوام على ذلك الاجتماع وانطوى العام الحادي والخمسون من عمر التلفزيون والحال في هذا الجهاز الحساس من سيئ إلى أسوأ.. انهمرت الهجرة من قبل مبدعي التلفزيون إلى القنوات الأخرى داخلياً وخارجياً ومن زهد منهم في الإعلام اقتحم سوق الأمجاد والركشة بعد أن ضاق بهم حوش التلفزيون على رحابته وجُحد فضلهم واقتحم العوز حياتهم.. لقد غدت مباني التلفزيون القومي موحشة مقفرة منفرة وبات الموظفون يصرفون خمسين في المائة من حوافزهم بعد مرور أشهر على تصديقها وربما تسقط.. وفي خضم ذلك راج الحديث حول صفقة أوقفت السلطات تنفيذها يحصل بموجبها محمد حالم على قرض صيني لبناء البرج.. تخيلوا!! ولذلك ليس بمستغرب أن (شاشتنا الحلوة) ازداد المشاهدون نفوراً منها بعد أن أصبحت مظلمة مكفهرة تفتقر إلى أبسط مقومات الجذب والإبهار.. إن أقل المشاهدين فطنة يلاحظ أن مذيعات التلفزيون الجميلات بتن يصطنعن البسمة اصطناعاً.. ما من قلة مهارة بل من حسرة في النفس كامنة، وكذلك من بقي من المذيعين ومقدمي البرامج. كل هذا وما زال ظلوط.. عفواً أقصد السيد المدير العام يصر على أن يظل شعار اليوبيل الذهبي معتلياً شاشة تلفزيون السودان رغم أن مرؤوسيه لم يتذوقوا لهذا الذهب طعماً بل عانوا مرارة الحديد الصدئ والجيب المهترئ في عهده وألسنتهم تلهج أن حسبهم لله ونعم الوكيل.. أما آن لهذا الشعار أن يترجل.. وأما آن لهذا المدير أن يرحل؟

أحمد الرويان– الصيحة

Exit mobile version