راشد الغنوشي: قد يكون الإخوان ارتكبوا أخطاء، ولكن في الممارسة الديمقراطية الأخطاء لا تصحّح بالانقلابات وإنما تصحّح بوسائل وآليات أخرى كالانتخابات السابقة لأوانها، ولذلك الاخوان في موقع صحيح، موقع المظلوم، والأخلاق تقتضي الدفاع عن المظلوم وليس إدانته.
هم مستحقون لدعم كل الديمقراطيين في العالم باعتبارهم مظلومين، إذ وصلوا إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية وخرجوا منها بانقلاب. ولذلك ليس هناك من موقف اخلاقي وسياسي ديمقراطي الاّ مناصرتهم وادانة الانقلاب.
مراسلون: يعني أنت ترى أنه بقطع النظر عن الأخطاء السياسية التي ارتكبوها فذلك لا يؤدي بالضرورة الى مصيرهم الحالي ولا يستوجب مثل هذه النهاية؟
راشد الغنوشي: لا، الأخطاء المرتكبة لا تستوجب هذه النهاية. والوقت الراهن هو وقت مناصرة الديمقراطية في مصر وليس وقت النبش في أخطاء الإخوان، رغم أنه دون شك كان للإخوان أخطاءهم .
مراسلون: أحكام الإعدام بالجملة التي يواجهها قيادات واتباع وأنصار جماعة الاخوان المسلمين في مصر، شجبتها أغلب دول العالم وأغلب التيارات السياسية بما في ذلك العلمانية والحداثية. أنتم، كيف تنظرون الى هذه الأحكام؟
راشد الغنوشي: هذا دليل آخر على أننا لسنا إزاء نظام متوازن، ونظام يثق في نفسه وإنما إزاء نظام يعيش حالة اضطراب وحالة فقدان للتوازن. فأن يصدر 1200 حكم اعدام خلال ساعة أو ساعة ونصف.. حتى عصابات المافيا لا تتصرّف بهذا الشكل. وبالتالي نحن إزاء فلتان أعصاب وفقدان توازن وحالة توحّش.
مراسلون: الانتخابات المصرية التي هي على الأبواب هل ودّعت نهائيا الديمقراطية؟
راشد الغنوشي: لا، ما بني على باطل فهو باطل. و مصر حاليا لا تعيش أجواء انتخابية، هي فقط تعيش مسرحية سخيفة وسيئة الاخراج..كمن يضحك وهو يقف على مجزرة ويمشي على الجماجم.
مراسلون: هل تقبل حركة النهضة باللجوء السياسي لمن يريد من القيادات الإخوانية إلى تونس، خاصّة وأنكم صرّحتم في السابق أن تونس باعتبارها عضوا في منظمة الأمم المتحدة فهي معنية بقبول اللجوء السياسي لأي سياسي مضطهد في بلده؟
راشد الغنوشي: أنا تحدّثت عن موقف مبدئي. أنه من حق الدول الديمقراطية المنتمية الى الأمم المتحدة ان تمكّن المضطهدين سياسيا في بلدانهم من حق اللجوء ومن حق الإيواء، هذا موقف مبدئي نتمسّك به. لكن واقعيا لم يتقدّم أي اخواني الى تونس بطلب اللجوء.
وللتذكير فإنه في الستينات عندما اضطهد الاخوان وقفت الحكومة التونسية مؤيدة لهم واحتجت على حكم الإعدام الذي صدر ضدّ السيّد قطب .
مراسلون: زمن بورقيبة.. تقصد أنه كان ضدّ اضطهاد إخوان مصر؟
راشد الغنوشي: نعم زمن بورقيبة. يعني ليس بجديد أن يتعاطف التونسيون مع مظلمة تقع في مصر، ولذلك شجبت كل الأحزاب التونسية أحكام الإعدام هذه.
مراسلون: بالعودة إلى الأوضاع في تونس، حركة النهضة تصدّت لقانون العزل السياسي ومنعت تمرير قانون إقصاء التجمعيين. هناك من اعتبر أنه قرار صائب، لكن هناك من يعتبر أن حركة النهضة خانت الثورة. فهل خنتم الثورة والشهداء بصفحكم عن التجمعيين؟
راشد الغنوشي: الثورة ليست مجازر وإعدامات، وإنما الثورة وحدة وطنية وعدالة اجتماعية وحريات سياسية. وكل الثورات مهمتها أن تسقط الأصنام وليس أن تحدث المجازر. والصنم في تونس سقط عندما سقط بن علي وسقط معه نظام الحزب الواحد وسقط معه الاعلام الخشبي والمحاكمات السياسية المزيفة وسقطت معه دولة المخابرات. بعد ذلك أصبح الشعب حرّا، وهذا لا يعني أنه اذا كان الحزب الدستوري اضطهد النهضة في السابق فعلى النهضة الآن عندما وصلت للحكم أن تضطهد الدستوريين.
مراسلون: صفح حركة النهضة عمن نكّلوا بها بالأمس، هل هو صفح اضطراري اقتضته اللعبة السياسية وخاصّة الانتخابات القادمة، أم صفح اختياري ناتج عن قناعات راسخة؟
راشد الغنوشي: عندما نتحدّث عن الصفح نجد أنفسنا إزاء نموذجين، نموذج من تاريخنا العربي الاسلامي ونموذج من افريقيا. فمن تاريخنا نجد الرسول محمّد (ص) عندما وقف في مكة وهو منتصرا وقال حينها للكفار الذين لم يؤمنوا به يوما: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ولم يمارس عليهم الاقصاء ولم يحاسبهم بل أدخلهم في جيشه فأصبحوا قادة، ولو لا ذلك لما وصلنا الاسلام الى شمال افريقيا، ولولا ذلك لدخلت الجزيرة العربية في حرب أهلية ولما خرج منها الدين الاسلامي لينتشر في كل العالم.
أما النموذج الثاني، فهو نيلسون مانديلا بجنوب افريقيا، فرغم ما فعله به العنصريون ودولة البيض رفض يوم انتصر عليهم، الانتقام وممارسة المجازر، بل دعا الى العفو والتسامح والصفح، وبذلك أصبحت جنوب افريقيا أهم دولة في القارة الافريقية. إذن ما فعلته النهضة أنها سلكت نفس هذا الطريق.
مراسلون:من هو مرشّح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية القادمة؟
راشد الغنوشي: هذا الموضوع له حسابات معينة وحركة النهضة تعلن نهائيا اليوم أنه سيكون لها مرشحها في الانتخابات الرئاسية القادمة.
مراسلون: هل ستتقدّم النهضة بمرشح من قياداتها أم أنها سوف تدعم مرشّحا من خارج حزب حركة النهضة؟
راشد الغنوشي: ممكن أن يكون أحد من خارج الحركة (يصمت قليلا وكأنه يختار الكلمات المناسبة ثم ينظر إلى أحد مرافقيه) كما يمكن أن يكون من قياديها المهم أننا قرّرنا نهائيا أن نتقدّم للانتخابات الرئاسية القادمة.
مراسلون: أفهم من كلامك وتلميحاتك أن حركة النهضة ستدعم مرشّحا من خارج الحزب؟
راشد الغنوشي: نحن حزب مبدع وخلاّق وطالما فاجأ الجميع بالمواقف غير المعتادة..فكما خرجنا من السلطة بطريقة غير معتادة.. لأن الأحزاب الديمقراطية في كل العالم لا تسلّم السلطة الاّ بالانتخابات أو الانقلاب.
نحن لم نتعرّض لانقلاب ولا ثورة ولم نخسر انتخابات ورغم ذلك تخلينا عن الحكم وغادرنا السلطة باختيارنا لأن الأهم بالنسبة لنا هي تونس والديمقراطية. وفي الانتخابات القادمة سنسجّل حضورنا بطريقة غير معتادة.
مراسلون: يعني حسمتم المسألة ومن المرجّح أن يكون مرشّح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية القادمة من خارج الحركة؟
راشد الغنوشي: نعم، من المرجّح أن تدعم النهضة مرشحا للرئاسة من خارج الحركة.
مراسلون: أعلنت عن موقف فاجأ البعض و هو أنكم لا ترون مانعا من أن يستمر مهدي جمعة في مهامه كرئيس حكومة بعد الانتخابات القادمة إذا نجح في المرحلة الحالية، وقد شاطركم “نداء تونس” الموقف نفسه. فهل ما زلتم على ذات الموقف؟
راشد الغنوشي: طبعا إذا أراد هو ذلك، لأنه يؤكّد على أنه لن يبقى يوما واحداً بعد الانتخابات القادمة. نحن كحركة تحكمنا مصلحة تونس و هي تكمن في نجاح الخيار الديمقراطي. وإذا كان خيار الإبقاء على مهدي جمعة على رأس حكومة وحدة وطنية فيه مصلحة للبلاد فلن نحيد عنه.
مراسلون: لماذا تصرون كحركة على الجمع بين الرئاسية والتشريعية في إجراء الانتخابات القادمة؟
راشد الغنوشي: نحن مع الجمع بين الرئاسية والتشريعية لأنه الطريق الأقرب لتطبيق الدستور ودون خرق للآجال الدستورية المتفق عليها، كما أن هيئة الانتخابات ترى أن الجمع هو الأقرب للآجال المتفق عليها.
وبالتالي نحن مع التزامن لأن فيه احترام للدستور، وثانيا نحن مع التزامن لأنه الأوفر ماديا ونفقاته أقل بحيث يوفّر لنا في الخزينة ما قيمته 20 مليون دينار.
فعوض دعوة الناس للذهاب ثلاث مرّات للصندوق يمكنهم الذهاب مرتين فقط، كما أنه أمنيا، وحسب ما ذكرته هيئة الانتخابات، هو الخيار الأكثر أمنا بحيث تكون أخطاؤه الأمنية أقل. بالإضافة إلى ذلك فمن حيث المشاركة والاقبال على العملية الانتخابية يكون أكثر في مرتين على ثلاثة مرّات.
والتزامن يحقق المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، فإذا بدأنا بالانتخابات الرئاسية فان الحزب الذي أوصل مرشّحه الى سدة الحكم سيدخل الانتخابات التشريعية بمعنويات أكبر من باقي الأحزاب ويقول للناس أعطونا برلمانا وحكومة تتوافق مع الرئيس. فتزامن الانتخابات يحقق مبدأ تكافؤ الفرص من الناحية النفسية.
مراسلون: حظوظ حركة النهضة في الانتخابات القادمة هل ما زالت وافرة في تقديركم؟
راشد الغنوشي: هدفنا الأوّل في الانتخابات القادمة ليس نجاح حركة النهضة. خطتنا هدفها الأوّل هو الوصول للانتخابات وإجراؤها بطريقة ديمقراطية ونزيهة يشارك فيها الجميع و يعترف بها الجميع وتكون هذه السنة. وهدفنا الثاني هو طبعا نجاحنا الانتخابي. لكن يبقى الأهم من نجاحنا نجاح الخيار الديمقراطي.
وفي كل الأحوال ومهما كانت النتيجة التي سنحصل عليها فنحن مع حكومة وحدة وطنية واسعة، لأن درسنا من التجربة الماضية هو أن البلاد أرهقت تحت ضغط التجاذب السياسي بين أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة ولولا خروجنا من السلطة لسقط السقف فوق رؤوسنا جميعا.
حوار للشيخ راشد الغنوشي مع موقع مراسلون correspondents.org الألماني