عبارة (محامي الشيطان) لم أطلقها أنا أو غيري على سبدرات إنما سرت في الصحافة بعد أن طرح الرجل سؤالاً في أحد الحوارات الصحفية التي أُجريت معه بعد أن تمرَّغ في وحل قضية الأقطان ثم تحكيم الأقطان عما إذا كان قد أصبح هو فجأة محامياً للشيطان؟!
ذلك ما ألهم كُتَّاب الرأي في الصحافة السُّودانية وجعلهم يُخضِعون العبارة للفحص والتدقيق بالمقارنة بين سلوكه طوال مسيرته السياسيَّة والمهنيَّة وتلك العبارة الموحية.
إن هذا الوطن مأزوم وربِّ الكعبة.. مأزوم بمشكلاته السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة وبحروب طاحنة اندلعت قبل استقلاله جعلته يتخلَّف عن ركب الأمم والشعوب الأخرى وعندما نكتب عن فساد الأفراد وسلوكهم المشين فإننا نشنُّ الحرب على احدى مُقعداته فالتاريخ عربة يقودُها الكبار ويعطل مسيرها الصغار فعندما نكتب عن عرمان مثلاً فإننا نفعل ما فعله القرآن وهو يعلن الحرب على عدو لله أبو لهب وعلى امرأته حمَّالة الحطب ومُؤجِّجة نيران الفتنة ذلك أنَّ هؤلاء وأمثالهم يُفسدون الحياة ويخرِّبون مسيرة الأوطان فهل الفساد ترتكبه المؤسسات مثلاً أم أن الأفراد هم الذين يُفسدون المؤسسات وهل السيارات إلا وسائل نقل يحيلها سائقوها إلى أدوات قتل؟!
جزم سبدرات وبخط عريض في (اليوم التالي) بأنه (لا يحق لأي جهة أن تُبطل قرار التحكيم).. كان ذلك قبل صدور حكم القاضي الذي أبطل التحكيم وكان سبدرات وسلوكه الفاسد أحد أهم الأسباب التي ارتكز عليها الحكم، ولست أدري ما إذا كان الرجل وصاحباه في هيئة التحكيم قد أرجعوا المليارات الثلاثة التي قبضوها قبل أن يُصدروا حكمهم الباطل.
لستُ بصدد الرد على المُحكِّم زمراوي الذي دافع عن موقفه ووصف من انتقدوا التحكيم المعيب بالغوغائيين وكتب باستعلاء واشمئزاز واحتقار للذين يزعم أنهم يهرفون بما لا يعرفون من الجَهَلَة بالقانون وليته لو سمع نصيحة أولئك الجَهَلَة من أمثالنا ممن محَّضوه النصح أن ينسحب من التحكيم بحُجة أن من عيَّنوه مُحكِّماً عنهم طلبوا منه الانسحاب والتوقف عن تمثيلهم بل إنهم لم يشاركوا في مداولات التقاضي الذي كان من طرف واحد هو طرف سبدرات وسيئة الذكر شركة ميتكوت التي مثلها في القضية الجنائية ثم في التحكيم.. باللـه عليكم هل كسب زمراوي من هذه القضية أم خسر خسراناً مبيناً ولطَّخ سمعته التي كانت نقيَّة قبل أن يوحل في مستنقع الأقطان ثم خسر مرة أخرى المليار الذي كان قد كسبه بالباطل.
نعود لسبدرات الذي ظل طوال عمره حاطب ليل (ما عنده قشة مُرَّة) فهو يتقلَّب مع الغالب ويتبعه أينما ذهب لا يهمه مبدأ ولا تحكمه مرجعية أخلاقية ولا يكترث أن يكون نظاماً شمولياً عسكرياً أم ديمقراطياً، شيوعياً أم إسلامياً.. يعمل مع فاروق حمد لله أيام نميري مديراً لمكتبه ثم يُنقل ليعمل في خدمة من أعدموه ويأكل من موائدهم قبل أن يغسلوا أيديهم من دمائه.. يدافع عن الفلاشا وعن سدنة مايو وعن الشيطان الرجيم.. لا يبالي من يكون (موكله) المهم أن يأكل وليس مهماً من أين؟!
ضربتُ مثالاً بقضيَّة الكاردينال وكيف اتصل سبدرات بالشرطي المُكلَّف باعتقاله طالباً منه إطلاق سراح صديقه بعد اتصال من الكاردينال ثم وجَّه المدَّعي العام عندما رفض الشرطي الانصياع لأوامره.. وجهه بأن يُطلق سراح صديقه بتوجيه وكيل النيابة الذي أمر بشطب البلاغ!!!
لم أعلم في حياتي عن قاضٍ شجاع يدين سلوك الوزير ويدفع ثمن ذلك تحقيقاً يُجرى معه في لجنة تُشكَّل له لأنَّه تجرّأ على مقام الوزير وأدان سلوكه المناهض للوظيفة والمنصب الذي تقلَّده في غفلة من الزمان!
على كل حال ليس غريباً أن يتخذ سبدرات هذا المنهج طوال حياته هادياً ومرشداً لسلوكه وسأحكي لكم في المقال التالي إحدى قصص الرجل المثيرة في قضية الاتصالات التي اضطررتُ إلى تقديم استقالتي انحيازاً للعدالة التي مرَّغها سبدرات الذي كان يشغل وقتها منصب وزير العدل إضافة إلى منصب وزير الاتصالات بالإنابة بعد أن غادر الوزارة الأستاذ الزهاوي إبراهيم مالك.
الخط الناظم لمسيرة الرجل هو أنه لا فرق بين الحلال والحرام فكل شيء مباح ولا فرق بين أن تكون وزيراً للعدل أو وزيراً للثروة الحيوانية بالرغم من أن كلتا الوزارتين ينبغي أن تخضعا لقِيم أخلاقية حاكمة إلا أن وزارة العدل لها خصوصية لا تتوافر لغيرها.
الطيب مصطفى- الصيحة