* بلغة تحمل قدرا من التحدي المصحوب بثقة المحامي الذي لا يأتيه جهل بالقوانين ونصوصها تحدث كمال في الأمسية الهادئة، ثم خرج بصحبة مصطفى عثمان من أحد الصالونات الباردة بدار الوطني وهو يوزع الابتسامات.
* الملاحظة لم تفت على مجدي عبدالعزيز مقدم البرنامج لكونه أشار عندما جاء إلى دور كمال لأن الرجل عندما دخل المركز اختطف عيون الكاميرات.. فمجرد أن يدخل قيادي من الشعبي دار الحزب الحاكم فإن الأمر ليس عاديا سيما إن كان هذا القيادي هو كمال عمر الرجل الذي مثل الجانب الأكثر عداوة في حزبه عندما كان في المعارضة.
* لم يكن متوقعا، ربما حتى لمنظمي الندوة، أن يكون من بين الحضور قيادات للمعارضة سيما تلك التي رفضت الحوار، وبالتالي على هذا النسق جاء الحضور الذي لم يكن كثيرا، فالندوة التي نظمها الحزب الحاكم بداره مساء أول أمس (الأحد) تحت عنوان “آفاق الحوار الوطني ومآلاته” تبدو هي الأولى للمؤتمر الوطني منذ أن أطلق للحريات يدها.. فحمل شعلة الحرية ذاتها الزميل عمار محمد آدم إذ أنّ ما قاله الرجل في ذاك المكان يمكن أن ينوب عن المعارضة بكامل عضويتها.
ثمة مقارنة بين كمال وعمار، فالأول كما أسلفنا هاجم المعارضة في غيابها، ولكن الأخير هاجم الحزب الحاكم في حضور الرجل الثاني في الحزب، بروفيسور إبراهيم غندور.. فعمار الذي اقتلع فرصته بعد أن رفع صوته عاليا يطالب بفرصة، وكعادته في كل اللقاءات التي يحضرها، ودون مقدمات قال مخاطبا قيادات الوطني: “هل تظنون أن هذا البرلمان شرعي؟ وكيف تتحدثون عن الإسلام وأنتم تزورون الانتخابات؟، ولماذا تكذبون؟”، وانتهى الرجل إلى المطالبة بحل الحكومة وأجهزتها ورد الأموال التي سلبت إذا أرادوا للحوار أن ينجح..
* “كلمات عمار قاسية..” هكذا جاء تعقيب مجدي لكنه اعتبر أن الأمر يأتي في سياق الحريات.
* السر المتصالح
* بالنسبة للقيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل تاج السر محمد صالح، فإنّ أقدمية الحضور منحته فرصة التحدث في الأول لكنه اختصر كلماته في الرجاء والأمل والمناشدة. السر كان متصالحا مع الجميع، حيث لم يتهم، ولم يهاجم، واكتفى بتأكيد تأييد حزبه لمبادرة الرئيس ودعمها والمضي فيها، لأن ذلك ديدين الاتحاديين.
* كمال وقصة دخول
* لكن كمال عمر الذي تحدث بعده كأنه قرأ ما يدور في أذهان الجميع لكونه بدأ بسرد قصة دخوله لأول مرة إلى دار المؤتمر الوطني بعد المفاصلة الشهيرة، وكان ذلك في العام 2012 أثناء الإعداد لمؤتمر جوبا الذي كانت المعارضة تعد له وقتها، كمال قال إنه دخل لإقناع الحزب الحاكم بالمشاركة في المؤتمر وكان متوترا لكن غندور شاغله “بطريقته التي لا تعرف التوتر” كما وصفها كمال قائلا له: “مالك متوتر يا كمال”، فقال لغندور: “أنا حقو أجيب ناس المساحة لأخذ حقي في دار الوطني”.
* كمال بدأ بالسؤال الذي ظل مطروحا حتى هذه اللحظة: “لماذا اختار الشعبي الحوار؟”، وهو حزب معروف بخطابه اللاذع ومواقفه القوية تجاه غريمة اللدود.. أرجع كمال ذلك إلى شيخ حسن الترابي الذي قال إنه استطاع بفضل الله وقدراته الفكرية أن يصوب كل قضايا الحركة إلى وجهة واحدة لا تعرف أصلا النظر إلى الوراء” وأضاف كمال: “قدر الله لهذه المعاني أن تحيا فينا ونتخلص من كل القضايا التي كان يحسب الناس كأن الله صممنا للانتقام من الوطني” وزاد شارحا: “أنا الآن دخلت دار الوطني ولم أشعر بأي أزمة في دواخلي للتواصل”.
* بداية الهجوم المضاد
* الهجوم على المعارضة بدأه كمال بتبرئة الحزب الحاكم من أزمة السودان لكونها تاريخية منذ الاستقلال، وأن جملة ما كتب من دساتير ليس له واقع وظلت البلاد تعيش في ظلمات حسب ما قال. ودلف بعدها إلى تفنيد القول بأن الإنقاذ انقلبت على الديمقراطية بقوله: “لم تنقلب الجبهة الإسلامية على الديمقراطية في 86 ولكنها انقلبت على الممارسة التي تتم باسم الديمقراطية”.. ويضع كمال بعض الشواهد لتعضيد موقفه من بينها مذكرة الجيش بالإضافة إلى مؤامرات وانقلابات تدار في الخفاء الكل يعلمها على حد تعبيره.
ولم ينس كمال أن يعترف بما حدث للمشروع الإسلامي بعد الانقلاب حيث قال: “قدرنا بأنه يمكن أن يحدث تحول بل أصاب المشروع ما أصابه، لكن تبقى الحقيقة أن كل من يتحدث ويحاول أن يحاكم الإسلام بمسميات الإسلام السياسي وفشله، نحن نرفع راية التحدي بوضوح أن الإسلام هو النموذج في الحكم، وتجربة دولة المدينة “وثيقة المدينة” أول دستور في تاريخ الحياة البشرية هذه تجربة لا تعرفها العلمانية التي تتحدث عن حقوق الإنسان”.
(1)
* سر المشاركة
* ما قاله كمال يبدو مقدمة للولوج إلى ما يريد أن تقديمه في تلك الأمسية المذكورة، فالرجل استدل بالنموذج المصري والتونسي وقال إن الديمقراطية عندما تلد الإسلام غير معترف بها.. وهنا أزاح كمال دون أن يدري دافع المؤتمر الشعبي للموافقة على الحوار بهذه السرعة، بقوله: “إن كل القوى السياسية هنا أيدت انقلاب السيسي، إذاً، نحن نحتاج إلى أن نعيد صياغة علاقتنا السياسية”، وأضاف متسائلا: “طيب أنا قاعد معاكم لشنو؟، يعني عايزين تمشوا بينا حتى يسقط النظام وبعدها تنقلبون علينا؟” انا كمان عندي وعي وبصيرة سياسية أرى عبرها.. وزاد كمال: “إذا تحدثنا عن الديمقراطية يجب أن تراجع الأحزاب الموجودة في السودان تجربتها”.
* بدأ كمال هجومه المباشر على المعارضة بقوله: “نحن قبلنا الحوار دون شروط لقناعة أن القضايا لا تحل إلا عبر الحوار”، وواصل: “الشروط شنو هي؟” في إشارة إلى اشتراطات المعارضة، وأضاف: “كدي بالله اسمعوا الشروط دي”، إلغاء القوانين المقيدة للحريات”، (قالها بسخرية) وواصل: “والله تسأل عن القوانين ما بتلقى أي زول عارفها، أنا عارف قائمتها لكن هل هذه القوانين يلغوها بالممانعة؟.. هذه قضية حوار يجب أن نناقش هذه القوانين نقاشا موضوعيا”، وقال كمال: “يأتي آخرون يقولون الحكومة الانتقالية ويجب أن تعلن حكومة انتقالية”، وأضاف: “طيب عندما تعلن الحكومة ذلك، الحوار لازمتو شنو؟”، لكن كمال استدرك قائلا: “أنا أقول الكلام دا ليس دفاعا عن المؤتمر الوطني لكن دفاعا عن قضية البلد”، وواصل كمال بصوت عال وبنبرة انفعالية حماسية قائلا: “إذا في ناس يعتقدوا أن بالممانعة وانتظار الحلول الخارجية أن يحلوا أزمة البلد نحن تاني لا نقبل حلا خارجيا أصلا”، وأشار مخاطبا غندور: “بقول هذا الكلام لغندور نحن حوار تاني يا بروف يجيب نيفاشا لن نقبله ولن نؤيده، الحوار يجب أن يكون هنا والمجتمع الدولي يأتي ويبقي شاهد، لكن تاني لن نرهن نفسنا لأجندة دولية”.
(2)
* كمال يستغرب
* “من اين للمؤتمر الشعبي بهذه الثقة في إخوانه القدامى؟” هكذا يتساءل البعض، أحدهم قال لكمال حسب رواية الأخير: “والله إنتو تحت تحت عندكم حاجة معاهم”، ويجيب كمال: “لو قلت لكم إن الحركة الإسلامية لن تتوحد بكون كذبت عليكم”.
* بحسب كمال فإن الحوار والمناخ السائد الآن ضرورة لكونه يجعل الشعب يعرف أحزابه وخطابها وأضاف: “أنا ما عايز أتحدث عشان ما أزعل بعض الناس”، وكأنه يحرض قال كمال: “والله المعارضة دي وجودها في القنوات وتلفزيون السودان أكثر من الأحزاب التي وافقت بالحوار.. انا ذاتي مستغرب جدا وقلت ناس المؤتمر الوطني ديل جنوا ولا شنو؟ يمنحوا المعارضة أكثر من القوي الموافقة على الحوار.. لكن دي الحرية وبعدالة.. نحن طيلة وجودنا في المعارضة لم يحدث انفراج بقدر الحريات السائد الآن”.
* وبحسب كمال أيضاً فإن المؤتمر الشعبي قبل فكرة الحوار الآن ويعمل فيها بإخلاص، منوها إلى أن الشعبي يتمسك بالقرآن حال وجد أن الوطني يستهبل عليهم وأضاف: “نحن شغالين بالدين سنمشي في القصة لحل أزمة البلد وإلى أن نوحد المشروع الإسلامي ونريد من كل القوى السياسية أن تتوحد امام الشعب لاننا لسنا خائفين من خيار الديمقراطية” لافتا إلى أن الجبهة الثورية تحتاج إلى إضافة عوامل الثقة من بينها وقف إطلاق النار، فتح الممرات، وإطلاق سراح المعتقلين، وقال إن ذلك يمكن يعيد توازن الأمور في قضية الحوار بالنسبة للجبهة الثورية. لافتا إلى أن الشعبي حريص على انضمام تحالف قوى الإجماع الوطني إلى الحوار.. لكن كمال بما يشبه التهديد الأخير قال: “بذلت جهود من قبلنا والحكومة وما دام الدعوة توجهت لا نستطيع أن ننتظر أكثر وسنذهب في اتجاه الحوار ونناشد الممتنعين أن يعيدوا قراءتهم للحاصل”.
(3)
* احتمالات الحوار
* لا نستطيع أن نقول إن كلمات كمال عمر في حق المعارضة أحرجت المؤتمر الوطني في داره ولكن ما قاله مصطفى عثمان إسماعيل الأمين السياسي بالوطني الذي تحدث بعد كمال لا يبعد كثيرا عن تلك الفرضية لكون مصطفى، أشار إلى أن هذا اللقاء للتفاكر وتوضيح الرأي وليس لقاء للشتائم والتنابذ، وحدد مصطفى 3 احتمالات للحوار أولها اقتصاره على أحزاب الحكومة فقط وهذا يعني عدم وجود حوار، والثاني أن تقبل بالحوار أحزاب معارضة تختلف وتتفق على أن أمل الخروج برؤية موحدة لمصلحة الوطن والثالث دخول جميع الأطراف في مركب الحوار وان تتحاور على مختلف التيارات والرؤى من أجل الوفاق.
* طرح مصطفى سؤالا مفاده: ماذا يريد الآخرون الذين يرفضون الحوار؟، وللإجابة قال: “الذين يعترضون على الحوار ويضعون شروطا تعجيزية إما أن الحوار لا يصب في مصلحتهم السياسية والحزبية وإما أن صندوق الاقتراع لن يجنوا منه شيئا وإما أن الشعب جربهم ولن يجربهم مرة أخرى”، وأضاف: “إن كانت هذه مواقفهم فنحن سنحرث في البحر” ورغم ذلك أضاف مصطفى: “نتمنى على الرأي العام أن يصبر علينا قليلا لأنهم والله يا أخوان دعوناهم ليلا ونهارا وسرا وجهرا بالهاتف والرسائل مباشرة وبطريقة غير مباشرة.. كل ذلك حرصا منا لكي لا نبدأ الحوار دونهم وسنمد حبال الصبر ولكن لا يمكن أن نترك الحوار يفشل بعد هذا الزخم الذي وجده”.
* مصطفى بعدها استخدم نوعا من التحدي بقوله: “سنمضي في مسيرة الحوار بعد أن يصل إخوتنا الذين لا زالوا يحاولون من الأحزاب المعارضة إلى قناعة بأن هؤلاء لن يأتوا.. وأن تصل قواعدهم أيضا أننا بذلنا ما نستطيع لإقناع قادتهم لكنهم رفضوا” وزاد: “أنا لا أتوقع أن ننتظر أكثر من الشهر الذي نحن فيه.. ما زالت الأحزاب المعارضة الشعبي والأمة.. هم من طلبوا منا أن نتريث قليلا.. لذلك نحن نقول للشعب لقد أعطيتنا هذه الفرصة أعطنا أسبوعين أو 3 سنبدأ الحوار وبمشاركة غالبة من الأحزاب السياسية”.. لكن ماذا يفعل الوطني مع الرافضين؟ سؤال يجيب عليه مصطفى قائلا: “لن نستطيع أن نأتي بهم قسرا إلى الحوار ولكن ستكون وسيلتنا للضغط عليهم عبر مخاطبة قواعدهم والرأي العام ومناشدتهم وسيظل الباب مفتوحا أثناء الحوار ومرحبا بهم.. لكن نقول لهم إن الاجندة التي وضعت لإفشال الحوار سواء بعدم قيامه أو تفريغه من الداخل كل هذه الأجندة لن تنجح طالما الرأي العام السوداني وقواعده مع الحوار”.
(4)
* “هكذا تكلم غندور”
* بروفيسور إبراهيم غندور تحدث بلغة هادئة كعادة الرجل لكنه حرص على البدء بمداخله عمار محمد آدم قائلا: “سمعتم مداخلة عمار لتعرفوا مدى رحابة صدر قيادة الوطني التي تحتمل الشتائم المباشرة من داخل دارها، ونحن قد جربنا عندما ذهبنا لندافع عن الشعب السوري رمينا بالحجارة والزجاج الفارغ.. لذلك هذا هو الفرق أخي كمال بين الديمقراطية التي يتحدث عنها البعض وبين الذين يمارسون قولا وفعلا ويتطلعون أن يمنع شعبنا بالديمقراطية الكاملة”، ووضع غندور بدوره أيضا 3 خيارات للحوار إما الاتفاق أو الوصول إلى مرحلة وسطى أو الاختلاف.. ويقف كل في سبيله، واضاف متسائلا: “لماذا يرفض البعض الحوار؟”، وواصل قائلا: “أولا لأن للحوار استحقاقات أولها أن تكون لديك رؤية موحدة، والثاني أن الحوار مهما تطاول فسيصل إلى الاستحقاق الانتخابي والبعض لا يريد أن يصل إلى الانتخابات، وقال إن البعض يتحدث عن أوازن الأحزاب ولا يوجد كيلو للأحزاب وإنما صندوق انتخابات، وأضاف مخاطبا عمار: “أنا عايز أقول لعمار إن شاء الله تأتي الانتخابات ليعرف الجميع وزنهم”.
(5)
* ثنائيات لطيف
* محمد لطيف الكاتب الصحفي المعروف قال في مداخلته: “كنت أراهن على أن ينجح المؤتمر الشعبي في استقطاب المعارضة، لكنه استعجل إلى لم شمل الحركة الإسلامية، وراهنت على أن تنجح المعارضة في استقطاب الجبهة الثورية ولكن المعارضة انحازت مبكرا للأجندة الخارجية، وكذلك راهنت على أن يقدم الوطني خطوات لأن مجرد النداء والمناشدة لا توصل ولكن النموذج العملي هو أن يفصل بين الحزب والدولة لأن هذا يبني الثقة”، وأضاف: “أنا مع الحوار الوطني الداخلي في حالة واحدة إذا توصل إلى موقف يفضي إلى تشكيل موقف لمفاوضة الجبهة الثورية الرافضة”.
صحيفة اليوم التالي
أ.ع