وكان ديفيد ياو ياو قد أعلن تمرده ضد سلطات دولة جنوب السودان في موسم آخر انتخابات إقليمية هناك، حينما كان الجنوب إقليماً وذلك في أبريل 2010م، وذلك بعد إعلان فوز منافسه وخسرانه للانتخابات المحلية في ولاية جونقلي، وقد أعلن مع مجموعته التمرد بحجة أن الانتخابات التي لم يكسبها كانت مزورة. الآن قد كسب أكثر من نتيجة الفوز في الانتخابات، كسب حكماً ذاتياً بشرق البلاد، وبذلك تصبح منطقة البيبور الكبرى مثل كل «جنوب السودان» أيام نميري بموجب اتفاقية أديس أبابا.
لكن السؤال الذي قد يُطرح هو: هل هذا الاتفاق الغريب والعجيب الذي تولّد من الظروف التي يمر بها جنوب السودان الآن، هل يمكن أن يفتح شهية الإستوائيين للحكم الذاتي ويذكرهم بأيام إجراءات تقسيم الجنوب الانتخابية في عهد نميري؟! هل سيكون منح الحكم الذاتي لمنطقة في شرق جنوب السودان مقدمة لمنحه مناطق جنوب «جنوب السودان»؟! هل سيكرر شباب الإستوائيين وصبيانهم ارتداء القمصان «تي شيرت» التي كان مكتوب عليها عبارة «الإقليم الاستوائي الآن» ضمن حملة الاستفتاء الإداري عام 1982م الذي كانت نتيجته تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم؟! يمكن أن يكون سلفا كير قد أغلق باباً من الأبواب التي أتت منها على حكومته التمردات بعد انتخابات أبريل 2010م، لكنه يمكن في نفس الوقت أن يكون قد فتح باب مطالبة الإستوائيين بتقرير مصيرهم. هذه المرة قد لا يكون تقرير مصير إداري، بل قد يكون على طريقة تقرير المصير الذي انفصل به الجنوب وأقيمت فيه دولة مستقلة. قد يتحدّث الإستوائيون هناك عن أن أبناء القبائل النيلية الذين يسيطرون الآن على الحكم والمعارضة والتمرد ليسوا جديرين بأن يوفروا الأمن والاستقرار للدولة الجديدة التي ضم إقليمهم وتقع عاصمتها جوبا على أرضهم.
وإذا كانت أديس أبابا قد شهدت أخيراً التوقيع على اتفاق منح الحكم الذاتي لجزء عظيم من ولاية جونقلي، فهذا يقود إلى توقعات بأن يشمل أي اتفاق لاحق بين حكومة سلفا كير وجماعة مشار منح مناطق النوير حكماً ذاتياً، وقد يطالب الشلك أسوة بهم بنفس الشيء فتصبح كل من بانتيو وملكال تحت إدارات حكم ذاتي، وبذلك تتحول دولة الجنوب إلى إدارات حكم ذاتي يمهدّ لوقوع عمليات انفصال بداخلها مستقبلاً. وهذا لن يوفر الأمن والاستقرار ولا يمكن أن يُحسب هكذا. والجنوب نفسه لم يعرف انهيار الأمن بهذه الصورة إلا بعد انسحاب قوات الجيش السوداني منه في 9 يوليو 2005م، وكان هذا قد أسعد قرنق وسلفا كير وباقان ومشار. قرنق رحل بسعادته بذلك، لكن البقية تحوّلت سعادتهم بذلك إلى حسرة وألم.. واللهم لا شماتة. فأية منطقة يغادرها الجيش السوداني واستخباراته الذكية تعقبه فيها المؤامرة الأجنبية لتضرب أمنها.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش