في أشرطة الكاسيت، تحديدا، تلخيص رائع لهذا الحنين، إذ كان الظفر بالشريط بالنسبة لجيل الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات أمراً يستحق الإشادة. والحصول على جهاز مسجل لتشغيله، مشقة كبيرة، وعمل بطولي، خصوصا لسكان الأرياف البعيدة عن المدن. حتى إن مهناً محترمة نشأت حول هذا الجهاز العجيب، إذ كان الراديوهاتي واحداً من قادة الرأي في مجتمع القرية.
وبالنسبة للكثيرين، فقد كان امتلاك “الشريط والمسجل” عنوانا للتمدن والرقي والتطور. بل كان، أحياناً، مقياسا لضبط أيديولوجية الشخص وميوله الفكرية والعاطفية!
كنا في قرية الرانجوك، بضواحي المناقل، شلة عظيمة من أبناء الجيل الذي تلمس الأشياء في الثمانينيات، كنا نكابد من أجل الحصول على جهاز تسجيل لسماع الأغنيات المسجلة على أشرطة الكاسيت، وكان امتلاك جهاز المسجل يعد ترفاً، ويصنف صاحبه ضمن فئة البرجوازيين.
كنا نجدّ في البحث لأيام ونهارات، لأن شريطا وصلنا للتو. قليلة هي المرات التي نظفر فيها بالجهاز؛ إذ أن الجهاز الخاص بعمنا التاجر إبراهيم ود الزاكي عادة ما يكون “داير درداقة”، وجهاز ابن عمنا المغترب عز الدين عبد الله “الهيد بتاعو ما برفع”، إذن علينا التوجه إلى طلب جهاز يخص أسرة خالنا الثري السماني محمد عبد الله.
وجدنا الجهاز، لكن ثمة عقبة جديدة، إذ يتعين علينا أن نوفر “حجار البطارية” الخاصة بالتشغيل، إنها مشقة عظيمة ما بعدها مشقة لشباب لم يدخلوا دائرة الإنتاج، خصوصا وأن الجهاز من ذلك النوع الذي يفتح بطنه لـ 8 “حجار بطارية” من النوع أبو كديس.
يستغرق أمر تدبير “حجار البطارية” 3 أو 4 أيام، ثم نحصل عليها. ليس هذا مهماً، لكن ما رأيكم لو قلت إن الجهاز مضغ الشريط؟ حسنا، سنستخدم المنكير لرتق التلف.
صحيفة اليوم التالي
يوسف حمد