يا سلام على تلك الأيام

يا سلام على تلك الأيام
[JUSTIFY] وما أسمعه هذه الأيام عن المعاملة التي يلقاها الطالب الجامعي على يد بعض أساتذته (زجرا ونهرا بل وشتما وتهديدا صريحا ب”التربيت” أي إعادة العام الدراسي مع وضع التهديد موضع التنفيذ).. كل هذا يذكرني بأستاذ الجيل البروف عبد الله الطيب رحمه الله، الذي كان عميدا لكلية الآداب.. كنت أسبق الطالب م. ر. بعامين، وكنت أعتبر نفسي مسؤولا عنه لأنه كان ذكيا جدا ولكن فالتا و”خمجانا” على الآخر.. وكانت مشكلته الأساسية عشقه للبنقو.. في سنته الأولى بكلية الآداب كان يحرص على إعطائي الانطباع بأنه استعد للامتحانات جيدا،.. وفي قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم يكون طلاب مختلف الكليات والمستويات يجلسون للامتحانات في نفس الوقت.. وكذا مرة رأيته يقوم لتسليم ورقة الأجوبة قبل موعد “النهاية” بنحو ساعة، فأشير إليه بيدي من بعد ل”يجلس”، فيمر بجانبي وهو يهمس: حديد
وحديد في حديد رسب صاحبنا في كل المواد، وتقرر فصله من الجامعة نهائيا.. ذهبت الى عبد الله الطيب وقدمت له ملخصا أمينا لحالة ذلك الطالب (بما فيها إدمانه للبنقو) وكيف أنه ينتمي الى عائلة هي الفقر مجسدا، فقال البروف: في هذه الحالة سأعطيه فرصة أن يعيد السنة من منازلهم، وأحفظ له حق الجلوس للامتحان مجددا .. وجدت نفسي أقول لأستاذي ما معناه: يفتح الله (خلال الحكم الإنجليزي اعتقل موظف صغير بسبب مخالفات مالية فلجأت أمه وكانت مصرية الى السيد علي الميرغني، بحكم أن _ المرحوم- زوجها كان ختميا لتطلب منه التدخل للإفراج عنه.. واستمع اليها الميرغني باهتمام ثم رفع يديه قائلا: الفاتحة.. فقاطعته السيدة: مش الفاتحة.. التلفون يا سيدي التلفون!! ويقال ان الميرغني انفجر ضاحكا واتصل هاتفيا بمسؤول كبير وضمن لها الإفراج عن ولدها).. قلت للعميد: هذا الطالب لا يستطيع توفير السكن والطعام ما لم يبق في داخليات الجامعة وبدونهما لن ينجح.. والله لم يدعني أكمل مرافعتي، بل قال لي: خلاص.. يرجع كطالب نظامي ولكن يا ويلك ويله لو عملها تاني… ولم يرسب م. ر. بعدها أبدا
عبد الله الطيب وجيله من الأساتذة العماليق كانوا يقدمون مصلحة الطلاب على اللوائح.. والله كان كل أستاذ في جامعتنا يسلم مفتاح مكتبه لمجموعة من الطلاب، ليستخدموه في المذاكرة، لتفادي المذاكرة في غرف الداخليات، لما في ذلك من مضايقة لمن ينامون مبكرا ولأن المكتبة كانت تغلق في العاشرة مساء… لا بأس أيضا من إعادة واقعة كتبت عنها أكثر من مرة: كانت هناك بنت تكنولوجية تجلس على كنبة قبالة قاعة 102 الشهيرة “خالفة رجل على رجل” ومعظم بضاعتها مكشوف.. فسأل البروف أحد الطلاب عن الكلية التي تدرس بها تلك البنت فقال له: عندك في كلية الآداب.. فأشاح البروف بوجهه وهو يقول: إلحق نفسك يا عبد الله (لم يقل: هاتوا بنت الذين كي أفصلها من الكلية او أشرشحها).. ومن طرائفه أنه كان يسرح بنا طول السنة في مختلف المواضيع ويأتي موعد الامتحانات فنسأله: يا أستاذ ما درسنا شيء في المقرر بتاعك فيرد: لن يرسب أحد في الامتحان ما لم يكن مطلوبا منه أن يتحدث عن أمرؤ القيس الكندي فيتحدث عن كندا.. في كلية القانون كان هناك شيء اسمه الفايفا Viva وهو منح فرصة ثانية لطالب رسب في مادة ما بدرجتين أو أقل.. وكان هناك طالب جنوبي مجتهد ولكنه رسب في مادة الشريعة التي كانت اجبارية في السنتين الأوليين في تلك الكلية، وفي الفايفا حاولوا تبسيط الأمور لينجح وسألوه: أين ولد محمد صلى الله عليه وسلم ففكر الطالب قليلا ثم قال: I think in Saudi Arabia.. أظن في السعودية.. واحتارت لجنة الفايفا ولكن الشيخ الضرير عميد كلية الشريعة قال: إجابة صحيحة.. السعودية هي الاسم الحالي لجزيرة العرب.
التحية لأستاذتنا الأجلاء الذين لم نسمع فردا منه ينطق بكلمة نابية أو يعرض طالبا أو طالبة للإذلال والمهانة مهما كان السبب.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version