‫لقد أفسدوا الثقافة.. أيضاً..!!

/

‫لقد أفسدوا الثقافة.. أيضاً..!!
** ( زمن الأفراح الوردية)، إحدى روائع شاعرنا الجميل سيف الدين الدسوقي، شفاه الله وأنعم عليه بالعافية..من القصائد التي يحبها عشاق الشعر، ويعشقها شاعرهاً أيضاً لحد ترديدها في المنابر الثقافية دائماً وتوثيقها في كل وسائل الإعلام..لحنها الموسيقار الشافعي شيخ إدريس قبل أسابيع ، ليشارك بها المطرب الشاب محمد حسن في مهرجان إتحاد الإذاعات العربية المقام بتونس في الأسبوع الأخير من هذا الشهر..فالسودان يشارك سنوياً في هذا المهرجان بالغناء الفصيح وينال إعجاب العرب وجوائز المهرجان.. والإذاعة السودانية، عبر لجنة فنية عريقة، هي التي تشرف سنوياً على إختيار النص واللحن المراد بهما المشاركة في المهرجان.. فاللجنة الفنية يرأسها مدير الإذاعة وبها عميد كلية الموسيقى وبعض أساتذة الموسيقى والشعر، ومهامها الإستماع إلى حزمة الأعمال المقدةة من قبل الشباب، ثم إختيار العمل الأفضل ( نصاً ولحناً وآداءً) ..!!

** أعلنت الإذاعة، قبل ثلاثة أشهر، عن موعد هذا المهرجان وطرحت شروط المنافسة على الشباب في مراكزهم وإتحاداتهم وعبر أثيرها..فالنص يجب أن يكون فصيحاً، و كذلك يجب أن يكون اللحن جديداً، ولا يتجاوز عمر المطرب (35 عاماً)، هكذا الشروط ..تقدم الشباب إلى مباني الإذاعة السودانية – حيث مقر تلك اللجنة الفنية بأعمالهم الغنائية، وفرزت اللجنة الفنية الأعمال بواسطة أساتذة الموسيقى والشعر، ثم حصرت المنافسة في ( أحد عشر عملاً غنائياً)، ثم إختارت من تلك الأعمال رائعة سيف الدسوقي (زمن الأفراح الوردية)..وتم إخطار شركاء العمل بواسطة مقرر اللجنة – الأستاذ محمد أبو سريع – بفوز عملهم، ثم طلبوا من المطرب الشاب محمد حسن النص واللحن وفق مواصفة فنية محددة، وذلك بغرض الإرسال إلى تونس قبل موعد المهرجان ..!!

** ضحى الثلاثاء الفائت، حيث موعد تسليم النص واللحن للجنة الفنية، قصد محمد حسن مقر الإذاعة ليسلم أعضاء اللجنة (النص واللحن)، حسب المواصفة المطلوبة ..ولكن، بالإذاعة، تفاجأ برد فحواه : ( معليش يا محمد، ناس التلفزيون رسلو عاصم البنا)، ثم نصحوه : ( خيرها في غيرها)..هكذا، بكل بساطة ولم يرمش لهم جفن .. أولاً، التلفزيون ليس الجهة المكلفة باختيار ممثل السودان في هذا المهرجان، بل الإذاعة .. ثانياً، لم يطرح التلفزيون شروط المشاركة على الشباب في مراكزهم وإتحاداتهم، ولم يشكل لجنة فنية لفرز الأعمال، أو كما فعلت الإذاعة.. ثالثاً، لم يكن عاصم البنا من الذين تقدموا بعمله لتلك اللجنة الفنية، أي لم ينافس مع المتنافسين في الهواء الطلق وعبر شروط ومواصفات أساتذة الموسيقى والشعر.. رابعاً، وهنا الطامة الكبرى والمحنة العظمى، عاصم البنا- ما شاء الله، وربنا يزيد ويبارك – في العقد الرابع من عمره، بل يقترب من (سن الخمسين)، بيد أن المهرجان يلزم السودان بأن يكون المشارك شاباً لا يتجاوز عمره (35 سنة)..!!

** هذا محض نموذج من نماذج البؤس التي تضج بها سوح الأداب والثقافة والفنون بالسودان..(ضرب تحت الحزام)، وتجاوز النظم واللوائح و ترسيخ الظلم وتكريس نهج (زولي و زولك)، وغيرها من موبقات الحياة السياسية والإقتصادية، لم تتبرأ منها الحياة الثقافية والأدبية أيضاً.. فالكل يجتهد لتثقيف السياسة، بحيث تكون السلطة السياسية (مثقفة وواعية)، وليمارس الساسة أنشطتهم بروح الوعي وبروح الثقافة يديروا صراعاتهم، ولكن تأملوا ما يحدث في (الوسط الثقافي)..تلوث ..علماً أن هذا الحدث مجرد نموذج، وما خفي أعظم..فالتدهور الراهن لم يعد سياسياً فقط، ولا إقتصادياً فحسب، بل (عاااام)..تدهور عام، و إنحدار شامل لحد الفنان – الذي كان رقيقاً في مشاعره وجميلاً في مبادئه ومحباً لغيره – لم يعد كذلك.. بل صارت كل معاني الفن عند السواد الأعظم منهم محض حناجر – وحلاقيم – تتقرب إلى مراكز صناعة القرار (بالكاكي والهتاف والتملق)، لتشارك – بغير حق – في تونس و (غير تونس).. عاصم البنا وآخرين، إمتداد لقيقم وشنان، أي يتحفون مجالس السلاطين بالمدح والرقص كما شعراء ملوك بني أمية، ولذلك ليس بمدهش أن يحدث ما حدث ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version