ألعب.. لا مانع! أتفرج.. لا

ألعب.. لا مانع! أتفرج.. لا
[JUSTIFY] من أجمل ذكريات طلاب درستهم اللغة الإنجليزية في مدرسة الخرطوم بحري الثانوية، أنني كنت أخرج بهم بين الحين والآخر إلى حديقة مجاورة لدروس «على الهواء».. حصص ذات طابع غير تقليدي.. نتجول في الحديقة ونتعرف على أسماء الأشجار والنباتات بالإنجليزية.. أو ننقسم إلى مجموعات متنافسة في نشاط أو حوار يتطلب استخدام اللغة الإنجليزية.. كنت أحيانا أدخل عليهم في حجرة الدراسة فيقف أحدهم: يا استاذ زهجنا من الحبس هنا والحر.. فيصيح بقية زملائه: هاااااااي تأييدا لاقتراح الذهاب إلى الحديقة.. فأقول لهم إنني دخلت عليهم وقد قررت سلفا إجراء اختبار لهم، حسب المنهج المقرر، فيقولون: اختبرنا في الحديقة.. ونخرج إلى الحديقة ويتفننون في الشقاوة حتى أنسى موضوع الاختبار فأجاريهم و«أنسى» الموضوع عامدا.. وما لم يكن يعرفه طلابي هو أنني أيضا أكره الرتابة وأحب «اللعب والمرح» واعتبره من أنجع الوسائل التعليمية، وإلى يومنا هذا أشارك عيالي في الألعاب الالكترونية بحماس تتخلله مشاجرات واتهامات بالغش، وقد توقفت عن لعب المونوبولي معهم لأن كبيرهم يصر على إدارة البنك وشؤون التمويل ويختلس الأموال ويجردنا من ممتلكاتنا الفارهة في «لندن»!!
كتبت مرارا عن كوني لا أملك الصبر لمتابعة مباراة كاملة في كرة القدم، مهما كانت سمعة ومكانة الفرق المتنافسة.. كيف أجلس متسمرا في مكان واحد لنحو ساعتين متفرجا على آخرين؟ فلأنني سريع الملل، فإنني أحب ان أشغل نفسي بأنشطة استمتع بها لأنني أمارسها شخصيا، فلا أجلس داخل سيارة تاكسي او قطار او طائرة دون أن يكون في يدي شيء يشغلني.. كتاب مثلا.. ومؤخرا صرت مدمنا للعبة سودوكو التي تتطلب ترتيب الأرقام بطريقة معينة في مربعات صغيرة داخل مربع كبير، واكتشفت أنها لعبة تساعد على اليقظة والتنبه!! ومن ثم أقول بكل فخر واعتزاز أنه لا مكان للملل في حياتي.. فكلما مضت بي السنون أدركت قيمة الحياة وتذكرت ان لي عمرا واحدا، وأن علي ان أملأ كل لحظة من ذلك العمر بالقيام بشيء مفيد وممتع، عوضا عن الفرجة على أناس يستمتعون بممارسة لعبة رياضية.. ولهذا السبب لم يحدث قط ان استمعت إلى أغنية كاملة لأم كلثوم، فرغم أن حواسي تدرك أنها مطربة ذات موهبة فريدة، إلا أنني لا أملك الصبر على أغنية تستمر ساعة او حتى ربع ساعة.. ولكنني احترم عشق الآخرين لكرة القدم وغيرها من الرياضات، ولا يثير دهشتي ان اسمع من شخص أنه لم ينم طوال الليل لأنه كان يتابع مباراة منقولة من اليابان او هاواي.. وخلال الأيام القليلة الماضية كانت هناك بطولة أوروبية لكرة القدم، وكنت كالعبيط بين زملاء العمل والأصدقاء عندما يناقشون أداء الفريق الألماني او الفرنسي ويسألونني عن رأيي في الهدف الذي سجله – مثلا – كرستيان رونالدو فأقول لهم: رونالدو ده مش رئيس جمهورية البرازيل؟
ورغم اقتناعي التام بدور الرياضة في تعزيز العلاقات بين الأفراد والشعوب (بعد قطيعة دامت أكثر من 30 سنة استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين بمباراة في تنس الطاولة – بنق بنق)، إلا أنه لا يعجبني تركيزنا على كرة القدم فقط، فلو أنفقنا واحدا على المائة مما ننفقه على كرة القدم على الرياضات الأخرى، لكان لنا شأن بين الأمم.. ويضاعف ضيقي أنه ورغم المبالغ المتلتلة التي ننفقها على كرة القدم فإن فرقنا تنهار كما بيوت الكرتون في العاصفة عند أي لقاء بفرق أجنبية.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version