وتتمايل العروس مثل غصن بانة معنسائم النغم، يحدث وفي خضم ذلك الطقس السوداني الرائع أن تدمع عيون الحاضراتويتمايلن طرباً وفرحاً، أما الحاجة (نفيسة) فغالباً ما تكون هي مصدر قلق لجميعالحاضرين عندما يتم دعوتها اضطراراً لحفل زواج يتضمن وصلة من أغاني البنات، والسببأن الحاجة نفيسة وما أن تبدأ المغنية في ضرب (الدلوكة) بطريقة معينة أو تبدأ فيإنشاد بعض الأغاني المعروفة بأغاني (الزار) حتى تبدأ في التمايل معها بصورةهستيرية عنيفة لا تتناسب مع عمرها الطاعن في الكبر ولا بنيتها الضعيفة وهي التيتمشي الهوينى ولا تبدو كمن يحتمل الوقوف طويلاً ناهيك عن الرقص بتلك الهستيريا،أدهشني جداً مظهر تلك السيدة خاصة عندما سقطت على الكرسي وشرعت في (الرطانة) بلغةانجليزية طلقة، و لم ترجع لحالتها الطبيعية إلا بعدما أشعلوا لها (سيجارة) أخذتتشربها هي ونصف زجاجة من العطر!.
للمرة الأولى وفي ذلك الوقت لم أفهم ما تعنيه كلمة (الزار) التي شخصوابها علة الحاجة نفيسة وهي التي تقيم له طقساً مهيباً تنحر به الذبائح! ذبحاً لغيرالله لإرضاء (الأسياد) ومدبراً عن القبلة كما تعرفون، وبالطبع بعد سنوات في الوطنلم يعد خفياً علي كحال البقية أن (الدجل) هو الآفة العقائدية الأكثر خطراً التيتتفشى في صمت بين شرائح مختلفة من هذا المجتمع الذي لا يفرق أحياناً بين (فكي) و(شيخ)،و يؤمن بأهل الخطوة ويبحث عن البركة لقضاء حوائجه في (ريق) رجل عرف عنه أنه من أهلالله!!، لسبب أو لآخر يختلط حابل التوسل بنابل الشرك، وبين التوسل بفلان ومناجاةفلان شعرة، بشر جميعنا لنا حوائج وأماني ولكن بعضنا يرفع أكفه لله والبعض الآخرعندما يداهمه الخطر ينسى أن يقول (يا رب) وينادي عبداً من عباده يحسبه من الصالحين،كجارة لنا في الحي التي جاءت وهي فرحة تروي قصة نجاتها من هجمة لصوص بكرامات منالشيخ (فلان) الذي هتفت به عندما هاجمها لصان وجاءهما فجأة كلب من أحد الأزقة ليهاجماللصان و ينقذها مع مالها، كان تحليلي للموضوع أن (إبليسك) يا جارتنا هو الذيأنقذك ليضرك في عقيدتك وينسيك أن الله وحده هو الضار النافع و وحده من يسمع ويرىولا أحد من الأحياء أو الأموات يستطيع أن يسمع دعاء آخر بالغيب.
في إحدى المقابر التي يتوسطها قبر لأحد الصالحين يغطيه سياج وعلىالسياج تأتي بعض النسوة بقطع من ملابسهن الخاصة جداً و يعلقنها على السياج طلباًللذرية ببركات الشيخ النائم في قبره!، من الشائع جداً في وطننا الحبيب أن نلتف حولمشايخنا أن نطلب بركة أجسادهم أحياءاً وربما أمواتاً بركة في (ريقهم) و ثيابهم وأياديهملا في دعائهم، وتعظم المصيبة عندما ننسى أن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه واستجابوآمن، وعندما نؤمن بصلاح العبد أكثر من إيماننا برحمة الرب، وعندما نستعين أحياناًعلى قضاء حوائجنا بالوسائل الخطأ التي لن توصلنا إلى شيء سوى سخط الله و أذى الناسكمن يدفعون الأذى بالبخور والتمائم بدلاً عن الرقى المشروعة والدعاء، ومن يطلبونالستر بأعمال (جلب) للأحبة يحسبونها أدوية لفك (العارض)!.
في جلسة فضفضة نسائية جمعتني بفتاة لطيفة من إحدى قرى السودان الجميلةفي مركز تجميل تعمل فيه هي كخبيرة ماساج ، حدثتني عن قريتها الشهيرة بشيوخها وكيف(يجمدون الموية في الزير) و (يحوطون) قرية كاملة عن أعين اللصوص.. ويحققون الحوائجبالفاتحة، سألتها ممازحة وماذا عن (عرق المحبة)، أخبرتني بسرعة أن (أبوها) الشيخ أفتىلها بجوازه!، لأن الهدف منه جمع رأسين بالحلال وليس المسخرة!، ولأن من عليه (العينوالنية) ربما خجول أو (عندو عوارض) وهي بذلك تعينه على طلب الحلال!!.. وعجبي!.
ساندرا طه – صحيفة حكايات