مِنْ بَفْ نَفَسَكْ يا القطار

[JUSTIFY]
مِنْ بَفْ نَفَسَكْ يا القطار

احتشدت المآقي بالدمع وأنا أشاهد في نشرة الأخبار التلفزيونية الرئيسة صورة قطار وادي حلفا وهو يتحرك بعد توقف دام ثلاثة عشر عاما، ومن نوافذه تطل بعض الشابات الراكبات وهن يلوحن بأيديهن للمودعين، فتذكرت الطاهر إبراهيم عند إبراهيم عوض (قطاره اتحرك شوية شوية/ ومن بعيد بايده لوح لي/ بكت عينيه وبكت عينيّ/ يالله وين حِلمك عليّ). لقد تذكرت أيام الطفولة وأيام الكليتون (المحلي الداخل عطبرة) وهو يتحرك يومياً بين الخرطوم ومدني، حيث كنا نوصل كبارنا المحطة بالحمير صباحا ونستقبلهم مساء، بتوقيت يمكن أن تضبط ساعتك الجوفيال أو الرومر عليه.
السكة حديد التي كانت ملء السمع والبصر راحت هي الأخرى ضحية نزوة سياسية حمقاء، فالنميري لكي يحطم نقابة عمال السكة حديد التي كانت تقف له شوكة حوت في كل عهودها الشيوعي والإخواني والاتحادي (طبعا حزب الأمة كان خارج شبكة السكة حديد) فقام النميري بتوجيه ضربة قاضية لعطبرة بإنهاء دورها كمقر لرئاسة السكة حديد فتم توزيع المخازن والورش فانتهى كل شيء، مع أنه كان يمكن أن يقوم بـ”فدرلة” وهذه من فدرالية السكة الحديد بصورة علمية ومدورسة لتصبح أكثر تطورا، ولكنه اختار طريق المرزبة، ثم كان لنميري ان يقوم بعمل خط سكة حديد آخر لبورتسودان وبتكلفة أقل من تكلفة شارع الأسفلت، ولو كان خط بورتسودن أصبح مزودجا لطفرت السكة حديد طفرة لن تسهل الوقعة بعدها.
أطل القطار وهو متجه لحلفا (هل نقول القديمة؟). وبالمناسبة من وادي حلفا كان قد جاء أول قطار للسودان في نهايات القرن التاسع عشر حاملا عسكر كتشنر للقضاء على الدولة المهدية (هل هذا له صلة بعدم وجود منسوبي حزب الأمة في قيادة نقابة السكة حديد؟). وها هو الان متجه إليها في إطار انبعاثه الثاني، ولكن هناك الكثير من الأسئلة: هل كل المحطات والسندات ومفردها سندة وهي نقطة توقف لا ترقى لمحطة تم تأهليها بعد الخراب الذي أصابها فأصبحت مثل سرايات الجزيرة، أو بالأحرى أصبحت السرايات مثل المحطات لأنها الأسبق في الخراب!. إذا حدث تأهيل للمحطات فهل ستكون لهذا القطار الأسبوعي فقط؟. إن كان ذلك كذلك فإن هذا يعني أن الجدوى الاقتصادية ستكون غير مريحة. ثم ماذا عن بقية أجزاء السودان، هل قطار حلفا جزء من خطة موضوعة لتشمل كل السودان؟.
في عالم اليوم المعلوم أن الركاب الذين يتعاطون القطارات أكثر بكثير من ركاب الوسائل الأخرى لأن القطارات هي الأرخض والأريح والأكثر أمانا، فسرعة قطارات اليوم يقدر بعضها بخمسمائة كيلومتر في الساعة ولكن حسب علمنا المتواضع أن هذا يحتاج إلى قضيب سكة حديد واسع، والمعلوم أن القضيب الذي في السودان يعتبر من النوع الضيق و قطاراته بدأت في الانقراض، فإذا كان ذلك كذلك فما هي خطة الدولة لمعالجة هذا الموضوع؟، أم أن قطار وادي حلفا مجرد بيضة ديك ؟ نسأل الله ألا يكون كذلك ليغني الشعب السوداني مع البلابل (قطار الشوق متين ترحل تودينا / نزور بلدا حنان أهلها/ حبيبنا هناك راجينا )
[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]

Exit mobile version