دارت الايام وجاورتني في الحي امرأة رقيقة (على قدر حالها)، هجرها زوجها وترك لها (نصف دستة عيال) لتكون هي المسؤولة عن أكلهم وشرابهم وتربيتهم ولا تملك مصدر دخل سوى العمل داخل البيوت (غسيل ومكوة)، كنت أطل عليها فترة الظهيرة، وأنا أحمل لها بين يدي ما يطفئ لهيب جوع أبنائها، وأخفف عنها بتناول فنجان قهوة، وأرسم ابتسامة على وجهها وأغادرها.
تألمت لحالها والظرف الذي تعيشه، فطلبت من زوجي أن يعينها في الشركة التي يعمل بها، لتقوم بشؤون النظافة، ولكن بمرتب كبير، رفقاً بها وبأبنائها.. وبالفعل وافق زوجي وباشرت هي عملها، وظهرت بشائر المرتب في إصلاح وضع أبنائها في المدارس وأثاث المنزل حتى بدأت تهتم بشكلها بصورة تثير غيرتي في بعض الأحيان، كأنثى همها الأول أن تكون الأجمل.
لاحظت في الفترة الأخيرة عدم اهتمام زوجي بي، وشروده الدائم وغيابه المتكرر عن المنزل، وحاولت أن أعرف السبب. تحجج بأنها مجرد وساوس في رأسي، تركته وتركت الأمر لله. بعد العطلة المدرسية، شددنا الرحال إلى أهلي في الشمالية، زمكثنا طيلة فترة الإجازة، وقبل أن تفتح المدارس أبوابها بأسبوع اتصلت به حتى يأتي لأخْذنا إلى الخرطوم، ولكن جاءني رده فاتراً لم يحمل سخونة مشاعري للقياه، بعد انقطاع وجداني دام عدة أشهر, صدمت ولكن رفضت أن يعلو صوت الشيطان على صوتي رغبة مني. طالت المدة وقطع اتصالاته رافضاً الرد عليَّ، ما جعلني أضيق وأحزم حقائبي وأمامي أبنائي متجهين إلى الخرطوم، حيث مسكننا, وصلت إلى الحي الذي نقطن فيه فوجدت الباب مغلقاً بالطوق، سألت الجيران عن المفتاح فجاء الرد بأن زوجي باع العفش ورحل من المنزل، تفاجأت واندهشت، وقبل أن أفيق من دهشتي أخبرتني إحدى الجارات سراً بالمنزل الذي يعيش فيه زوجي فذهبت إليه وأنا متوجسة غير مصدقة ما يحدث. طرقت الباب وليتني لم أطرقه، لأن من فتحت الباب امرأة أعرفها تسبقها رائحة دخان الطلح النافذة التي جعلت جسدها مصفراً، وخمرتها تملأ المكان رغبة واشتهاءً، قبل أن تطل براسها وبقية جسمها شبه العاري، وقبل أن أسألها ظهر زوجي في المشهد من خلفها، وهو يرتدي الشورت الداخلي، ممسكا بها من وسط خصرها، وهو يزيحها جانباً قائلا لي بلهجة حادة: (عايزة شنو؟).. قلت له وفمي يرتجف (دي بتعمل هنا شنو؟) قال: (دي زوجتي وإنتي طالق بالتلاتة)، وأغلق الباب في وجهي، لم أدْرِ بشيء غير أن الأرض كانت تدور بي، وظللت عيني غشاوة فاتكأت على حائط المنزل حتى أستطيع أن أتمالك نفسي ولكن أقدامي لم تستطع الحراك، وسقطت مغشياً على وتم نقلي للمستشفى، ولم أفق من غيبوتي إلا بعد ثلاثة أيام، ومنذ تلك اللحظة، وأنا هكذا فقدت طعم الحياة ونكهة الحب).
ضحكت وقلت لها: أنتِ (ساذجة) وتستحقين أكثر من ذلك، بعد أن قدمت لزوجك أنثى تضاهيك جمالاً وفتنةً وجبة دسمة على طبق من ذهب، لرجل لا يتبع سوى شهوته وإشباع رغبته التي لن تتعدَّى دقائق، ثم يبحث كالكلب عن صيد آخر. كان الأجدى بك أن توفري تلك المشاعر الدفاقة لأبنائك، فهم أحوج ما يكونون إليها.
نصيحتي لكل سيدة بقدر ما تحتوي زوجها بحبها، أن تكون له مراقباً برتبة (غفير)، لا تترك له شاردة أو واردة، إلا وتناقشه فيها، وأن لا تضمن صديقاتها، فهن العقارب اللادغة. صدقوني لم أظلمهم، ولكن النساء مسلطات، ومراوغات، وماهرات في الصيد الثمين.
عن نفسي لن أترك لزوجي مساحة في قلبه، حتى تتجول فيها أنثى أخرى، لأني سأكون شغله الشاغل في صحوه ومنامه (يفتح عينه عليّ ويغمضهما وصورتي داخلهما) لأنه كما يتمناني ملكة له فقط.. أنا كذلك أتمناه ملكي أنا ولا مكان للعوازل والعوارض، وهناك وصفة سحرية أحتفظ بها لنفسي، حتى لا تنافسني الزوجات عليها، لأنني لا أضمن مكرهن وكيدهن العظيم.
بدون قيد:
عزيزي.. ثقتك في شخصي جعلتني أراجع (نفسياتي) المتقلبة، وأقصص مخالبي لأحتويك بأنامل أنثى ناعمة.
محاسن أحمد عبد الله– السوداني