وكالات الاستخدام الـخارجي .. الباحثون عن الهجرة بين رحى العشم والوهم

لعل ارتفاع معدلات الفقر وغلاء المعيشة وغيرها من المنغصات الحياتية المتوالية في السودان، كانت السبب الرئيس في دفع المواطنين وتكالبهم نحو وكالات الاستخدام الخارجي، بغية الهجرة خارجاً أملاً في تحسين أوضاعهم بعد أن عزت عليهم فرص العمل أي كانت (عمالة أو وظيفة) في بلادهم. وهذا ما عضدته وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل بحسب واقع سجلاتها التي رصدت عدد المهاجرين بالطرق الرسمية فقط في العام 3102م بأكثر من (09) ألف مهاجر سوداني، بخلاف الآلاف الذين حاولوا الهجرة بطرق غير رسمية، الأمر الذي حرض الكثيرين لفتح مكاتب استخدام الغالبية العظمى منها وهمية استغلت حاجة هؤلاء واستفزت أحلامهم وآمالهم التي أجهضت، بعد عمليات النصب المحكمة التي وقعوا في شراكها، وبدلاً من قبضهم لعقودات موثقة وحقيقية يقبضون الريح سيما بعد اختفائهم.
وقد دونت مضابط الشرطة عدداً مقدراً من البلاغات في هكذا نوع من الاحتيال ، فضلاً عن وزارة العمل التي ما فتئت تستقبل شكاوى يومية في ذات الخصوص. فإلى أي مدى نجحتا في قمع هذا النوع من الإجرام؟
مكاتب وهمية وأحلام وردية
عدد كبير من البلاغات دونتها محاضر الشرطة تتعلق بالاحتيال علقت عليها مدير إدارة الاستخدام والهجرة بوزارة تنمية الموارد البشرية والعمل الأستاذة “الشام محمد حامد” بقولها: إن شكاوى عدة تتلقاها الوزارة من ضحايا الاحتيال والنصب تعرض فيها معظمهم لخسائر مالية مزعجة، وأقروا أنه وبعد استيفاء كافة المستندات اللازمة للسفر وعقب وصولهم مباشرة، يكتشفون أنهم كانوا فريسة لعملية اقتناص محكمة رمى لهم بشباكها محتالون يجيدون الصنعة والفبركة فلا وظائف تنتظرهم، وفي هذه الحالة لا تملك الوزارة شيئاً سوى مواساة هؤلاء الضحايا وتوجيههم بتدوين بلاغات في مواجهة أصحاب الوكالات الوهمية، وإرسال شاهد من الوزارة لاحقاً لتزويد النيابة أو المحكمة بالمعلومات اللازمة.
وكانت مجموعة من الضحايا الذين خاضوا في ذات المعترك قد زارت (المجهر)، كممثلين للمجموعة التي فاقت أعدادهم السبعين ضحية، من قبل مكتب بالسوق العربي بعمارة كارينا الشام، وتحدثت واحدة من الضحايا إنابة عن زوجها الذي ترك لها مهمة متابعة القضية، أنه وعن طريق أحد معارفهم تم توجيههم لهذا المكتب الذي طلب صاحبه مبلغ (18) مليون جنيه مقابل عقد وتأشيرة لدبي بوظيفة مهندس، يدفع نصفها ويكمل الباقي عند الاستلام ، وبعد فترة وجيزة اتصل عليهم ليوقعوا على العقد وهو عبارة عن ورقة غير مروسة وعليها اسم (شركة دترل العالمية في دبي).
منهم من فقد وظيفته
وأكملت السيدة حديثها وهي تشرح تفاصيل الاحتيال الذي مورس عليهم، أنه وبعد دفع نصف المبلغ والتوقيع على العقد المضروب، بدأت المماطلات في التنفيذ واستمر الموضوع لأكثر من شهر، فقررت فتح بلاغ في المكتب. وعندما شرعت في ذلك تفاجأت بكم مقدر من الجوازات التي ينتظر أصحابها السفر أو رد مالهم . ثم توالت الوعود من صاحب المكتب وموظفيه الذين اختفوا تباعاً، ليس ذلك فحسب بل أن المستشار القانوني الذي يتولى شؤون المكتب، قال لهم بالحرف الواحد (الجماعة ديل ما أدوني قروش والعاوزين تعملوه أعملوا).
وهكذا شرع هؤلاء في فتح بلاغات بالقسم الشمالي الخرطوم، وبحسب الذين حضروا للصحيفة فإنها بالأرقام (4184ـــ 2087ــ 4097ــ 3448) والمؤسف أن بعضهم فقدوا وظائفهم عندما قاموا بتقديم استقالاتهم بغرض الهجرة .
وقد تناولت الصحف أيضاً قضية تلك الوكالة، والبلاغات التي دونت تجاهها بقسم شرطة الخرطوم، إزاء الاحتيال على عدد من المواطنين وإيهامهم بالسفر إلى تركيا، ليختفي بعد ذلك الموظفون ويتم القبض على السكرتيرة بعد تدوين بلاغ في مواجهتهم تحت المادة (178) احتيال .
تغول على المهنة وضحايا بالآلاف
وطالب رئيس شعبة مكاتب الاستخدام الخارجي “إمام حماد الرفاعي” خلال حديثه لـ(المجهر)، ببتر ظاهرة السماسرة والمكاتب الوهمية ، مشيراً إلى أن ضحايا الاستغلال الوظيفي فاقت أعدادهم الـ(250) ألف ضحية خلال الخمسة أعوام السابقة، وأن غالبيتهم يتم الإيقاع بهم في فخ محكم الصنع ينفذ باتقان، بعد دفعهم أموالاً طائلة لشراء هذه العقود الوهمية، بل أن بعضهم يسافر فعلياً للدولة المعنية بالعقد المضروب وعند وصولهم لا يجدون ما حدثتهم به تلك المكاتب من وظائف .
ودلف (رئيس شعبة مكاتب الاستخدام الخارجي) منوهاً إلى أن من أهم أسباب انتشار ظاهرة النصب والاحتيال ترجع إلى التغول المستشري على المهنة، من قبل بعض السماسرة ووكالات السفر والسياحة والتي ينصب اهتمامها واختصاصها في توفير تذاكر السفر والسياحة، وتمنح تصاريح العمل من قبل وزارة السياحة فقط وليس من وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل، إضافة إلى أن هنالك مكاتب تزاول العمل دون الحصول على تصاديق وأخرى ليس لها وجود في أرض الواقع .
ودعا “إمام” وزارة العمل إلى تفعيل الاتفاق المبرم بين السودان والجماهيرية الليبية لمعالجة إشكالات العقود، وأن الشعبة تحذر المواطنين بأن ليس هنالك وجود لوظائف في سلطنة عمان، وليس هنالك طلب لسودانيين للتوظيف في البحرين الآن كما يدعي البعض.
ولفت رئيس شعبة الاستخدام الخارجي” إلى ضرورة تحرى الدقة في المكاتب ومواقعها، والتأكد ما إذا كان المكتب يحمل تصديق مزاولة رسمي من قبل وزارة العمل أم لا؟ مبيناً أن شعبة مكاتب الاستخدام الخارجي تضم في عضويتها فقط ( 323) مكتباً .
طبيعة عمل الوزارة
لشرح الجوانب المتعلقة بالموضوع تحدثت مديرة إدارة الاستخدام والهجرة بوزارة تنمية الموارد البشرية الأستاذة “الشام محمد حامد”، عن الدور الذي تقوم به الوزارة لتنظيم الهجرة الخارجية وما يتعلق بمكاتب الاستخدام الخارجي. قالت “الشام”: إن الوزارة بحكم الدستور والمواثيق الدولية عليها متابعة كل ما يتعلق بهجرة السودانيين والأجانب، بهدف تحقيق التوازن في سوق العمل وتحقيق فرص للراغبين في العمل بالخارج أو الداخل، وكيما يتأتى ذلك تستخدم الوزارة أنواعاً من التأثيرات فردية كانت أو جماعية وتتعامل مع الأخيرة بشكل مباشر أو غير مباشر .
شروط التصديق للمكاتب
واستطردت “الشام” أن الوزارة تقوم بالمعاينات المباشرة وتشارك في تلك التي ترد عن طريق المكاتب المرخص لها وفقاً للتفويض المخول لها، وأن وزارة العمل تمنح مكاتب الاستخدام التابعة لها أذونات عمل بشروط معينة، أبرزها أن تتقدم الوكالة بطلب فتح مكتب وأن يمتلك صاحبه صحيفة الحالة الجنائية (الفيش)، ويقدم شيك ضمان بمبلغ( 50 ) مليون معنون للسيد وكيل الوزارة، وتفويض من شركة خارج البلاد كاعتماد وكيل لهم بالسودان، وعقد إيجار المكتب وصورة من إثبات الشخصية والشهادات العلمية والسيرة الذاتية، ورسم كروكي لموقع المكتب وصور الشهادات العلمية والخبرة للموظفين، ودفع رسوم تصديق للمكتب حوالي( 16) مليون، وأن تكون مساحة المكتب لا تقل عن( 75) متراً .
وأضافت مديرة إدارة الاستخدام بالوزارة أن الوزارة بدورها تتأكد من التفويض الممنوح من الجهات التي تعرض الوظائف، وتشترط في التفويض الوظيفي أن يكون معتمداً من السفارة السودانية بالدولة والخارجية والغرفة التجارية، ويمثل الوزارة مندوب يقدم تقريراً ويشرف على المعاينات، كما أن الوزارة تقوم بإجراء تفتيش دوري لمكاتب الاستخدام و آخر عند الترخيص عبر أتيام من الإدارة.
ضعف رقابي واهتمام بالرسوم فقط
بدورها طرحت (المجهر) جملة أسئلة عن غياب الدور الرقابي والتوعوي للمواطن العادي، الباحث عن أفضل الطرق للهجرة دون الوقوع في براثن النصب والاحتيال؟ وعنها أجابت مديرة إدارة الاستخدام الخارجي والهجرة بوزارة العمل، بأن الوزارة تعترف بضعف الإعلام الموجه في هذه الزاوية لكنا الآن- الحديث ما زال للشام- نعمل بالتعاون مع شركة (كليفرتيم) في إنتاج كتيب للوكالات الحقيقية والمكاتب المرخصة والضوابط والإجراءات التي تضعها الوزارة، مضيفة أن هذا العمل التنويري سيتيح الفرصة للجميع لمعرفة المكاتب المعتمدة والمرخص لها للعمل في مجال الاستقدام الخارجي .
رد على الاتهام
وعن الاتهامات التي أطلقها البعض عن أن الإدارة في الوزارة صبت جل اهتمامها على تحصيل الأموال والايصالات بعيداً عن حماية المواطنين، والتأكد من صحة الوظائف! بل أنها اطلقت العنان لأصحاب المكاتب لفرض رسوم مالية باهظة على العقود تحت بنود مختلفة (تأكد وظيفي، وعمولات، وإيصالات وغيرها) ؟ علقت أستاذة “الشام” بقولها إن مجمل الرسوم التي تحصلها الوزارة حوالي( 200) جنيه للاستخدام الخارجي، و(1000) جنيه للاستقدام الخارجي، ونفت أن تكون الوزارة وإدارة الاستخدام قد سمحت للمكاتب بفرض رسوم باهظة السعر، مؤكدة أن إدارة الاستخدام تتدخل في مراجعة التفاصيل المالية، وتشارك بمندوبيها في لجان معاينة الوظائف التي تطرح من قبل المكاتب المرخصة.

ابتهال إدريس– المجهر

Exit mobile version