اعترافات خطيرة لمرضى .. في غرفة الانعاش ..!!

[JUSTIFY]غرفة صغيرة.. بداخلها مجموعة من المعدات والآلات الطبية.. يتوسطها سرير مجهز يستلقي عليه أحد المرضى خرج منذ برهة من غرفة العملية.. وتحت تأثير البنج الذي بدأ يفارق جسده تدريجياً يبدأ أحاديث كثيرة بعضها مفهوم والكثير منها غير مفهوم.
ليلتف حوله الأهل.. الأم.. والأب.. والزوجة والأبناء.. والأصدقاء.. قلوبهم تنفطر ألماً وخوفاً عليه.. ولكن الأمر لا يمنعهم من متابعة اعترافات عقله الباطن.. أشياء ما كان ليقولها لو أنه كان في كامل وعيه.
غرفة الانعاش.. فجرت الكثير من الأسرار وكانت سبباً من المشاكل الأسرية بقائمة الاعترافات الخطيرة التي يصوغها المرضى وهم في حالة اللا وعي.. دخلنا نحن أيضاً هناك نستمع ونحقق لتخرج الزميلة مكة عبد الله بحقائق مثيرة وقصص أقرب إلى الخيال.. تعال معنا!!

(1)

نوال شابة في الثلاثين من عمرها قادتها غرفة الانعاش للطلاق من زوجها.. قالت والألم والمرارة يعتصرانها لم يدر بخلدي يوماً ان انفصل عن زوجي أو ان اكتشف انه يخدعني إلا عندما تقررت له عملية جراحية عاجلة.. وعند خروجه إلى غرفة الانعاش بدأ اعترافات مفصلة عن علاقته بامرأة أخرى كانت له معها علاقة حب قبل زواجنا.. اخذ يهزي باسمها ويعترف لها بحبه الذي لم ينقطع يوماً، واكثر ما ألمني اعترافه لها من خلال الهذيان بمشاكلنا داخل المنزل ووصفه لي باوصاف (جارحة) ادخلتني واسرتي التي كانت تقف بجواري داخل الغرفة في حرج شديد.
وكان لابد ان اطلب الطلاق حفاظاً على كرامتي التي داسها تحت اقدامه في تلك اللحظة، وقد ايدتني اسرتي في ذلك ووقفت خلفي حتى تم الطلاق.. وانا لست نادمة على ذلك فلا يمكنني العيش مع رجل جسده معي وقلبه مع امرأة اخرى!

(2)

على طريقة (الزين) في رواية كاتبنا الكبير الطيب صالح اخذ (محمد) يصيح داخل غرفة الانعاش.. يا ناس هوى… أنا بحب (نهال) بنت خالتي.. وما قادر اقول.. المفاجأة التي ألجمت الجميع حتى خالته أم (نهال) التي كانت حاضرة داخل الغرفة اصبحت موضوع تندر داخل الاسرة حتى انتهت بعقد قرانهما.
لم يكن احد يعلم بهذا الحب المكبوت في دواخل محمد الهادي الطبع.. ولكن بعد دخوله لمعسكر الخدمة الالزامية اصيب بمغص حاد فتقرر له اجراء عملية استئصال زائدة دودية سريعاً وبعد خروجه من غرفة العملية وهو في حالة الوعي واللاوعي سجل اعترافاً كاملاً بهذا الحب الذي يعذبه ويصعب عليه الاعتراف به وسط تجمع كامل للأهل.
ورغم استهجان البعض للامر إلا انه تطور لينتهي بالاتفاق بين الأسرتين باستكمال عقد القرآن لهما اسكاتاً للاقاويل التي لم تتوقف لتنتهي حكاية (الحب) الذي بدأ في غرفة الانعاش إلى عش زوجية سعيد.

(3)

اما عبد المنعم الذي اتسم بالصرامة والجدية فيحكي قصة خطوبته التي حاول اخفاءها لبعض الظروف الأسرية إلا انها انكشفت داخل (غرفة الانعاش).
أصدقائي ووالدتي اخبروني وهم غاضبون عن اعترافي بذهابي وحدي لخطبة زميلتي في العمل من أهلها دون علمهم، ليتحول الأمر من السرية التي كنت ألفها به نسبة لظروف الأسرة التي تعتمد عليّ في الصرف إلى العلنية ولو لا دخولي للمستشفى لإجراء هذه العملية لما انكشف امر خطوبتي غير المعلنة.
وواصل بان الأمر جاء لمصلحته فقد كان يخاف إخبار أمه التي اكتشفته بعد فتحه لخزائن أسراره داخل المستشفى، والتي أصرت على مقابلة الخطيبة ليتحول الأمر إلى خطوبة.. معلنة ستكلل بالزواج قريباً إن شاء الله!

(4)

كبير فنيي التخدير، بمستشفى إبن سينا إبراهيم أبو القاسم قال: إن التخدير يختلف من عملية لإخرى فمشكلات العضلات قد أصبحت كثيرة ولكن عملية التخدير في ذاتها لا تختلف.. وغالباً البنج الذي يجعل المريض (يهضرب) يسمى (الكتلين أو الكتلار)، ودائماً ما يعطي معه (الفاليوم) وهو يستخدم للعمليات الصغيرة، مع العلم بأن ليس كل من يخرج من عملية يهلوس والذين يتعاطون المكيفات والمؤثرات العقلية هم الأقرب لهذه الهلوسة.. وللمعلومية فقط فإن هذه الأنواع من البنج نادراً ما يتم استخدامها بالعاصمة، وينحصر استخدامها تقريباً في العمل الميداني وبعض مستشفيات الأرياف، حيث لا توجد غازات مثل الإوكسجين وله في الحقيقة مضاعفات حيث يرفع الضغط فمرضى ضغط الدم مستبعدين من استعماله.
وواصل بأن التخدير اليوم اختلف وأصبح على مراحل.. ونحن نسأل المريض قبل بدء عملية التخدير عن حالته وهل يستعمل الكحول أو المخدرات، وهذه طبعاً أسرار مسؤولين نحن في المحافظة عليها.. والمريض بمجرد دخوله غرفة التحضير يصبح أمانة في أعناقنا ونحن نستقبل يومياً مرضى من مختلف الأعمار والمهن ونسمع العديد من الاعترافات منها ما يقود صاحبه للسجن لكننا لا يمكننا البوح بها بتاتاً.

(5)

يقول علم النفس كما ذكر دكتور محمد شامي بأن الهلوسة إدراك حسي بدون موضوع خارجي، وهو ينتج عن تجسيم ظواهر ذاتية تجسيماً موضوعياً بميزات خاصة، وهي أفكار تخرج بصوت مسموع يتحدث فيها الفرد مع نفسه حينما تشتد عليه الضغوط الحياتية والمواقف المعقدة أو الأزمات النفسية التي لا تجد السبيل الصحيح للتعبير واستخراجها.. أما إذا ما أخذت طابع الإنتاج الفطري والإبداعي هذه الأفكار تدور في داخل الدماغ حتى تجد الطريق المناسب للخروج بشكل مقبول في حوار أو حديث مع آخر أو تنطلق دون أن يسيطر عليها الفرد نفسه.
هذه (الهلاوس) إذا اقتصرت على إنطباعات مبهمة غير مميزة أو طنين أو وميض سميت بالهلاوس الأولية، أما إذا اكتست هيئة موضوعات محددة وأشخاص حيوانات أو اقوال سميت بالهلاوس المركبة، وعموماً فإن الهلاوس هي عبارة عن تعبير (نكوص) لمرحلة سابقة.

(6)

الخروج من غرفة العملية من أقسى اللحظات التي يمر بها الشخص، فهي لحظات حرجة ليس له وحده، بل لكل المنتظرين عودته للحركة مرة اخرى والتأكد من نجاح العملية، وهي أيضاً لحظات التنفيس الروحي (والاعترافات الحرة)، احياناً بعيداً عن القوانين والمحاذير الاجتماعية العامة.
المرضى بحاجة لقانون يحميهم من أنفسهم وإن كان الأمر لا يخلو من الغفشات والابتسامات احياناً.. والعودة للحياة تظل من (أصعب) الأشياء على الإنسان!

صحيفة حكايات
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version