حسين يعقوب أبالي من بادية شمال كردفان , بعد أن ضرب الجفاف والتصحر تلك المنطقة في الربع الاخير من القرن المنصرم حمل اسرته فيما تبقى له من جمال وعددها ثلاثة ويمم شطر العاصمة فأناخ رحله في غرب ام درمان ويومها لم يظهر سوق ليبيا ولا سوق الناقة وكانت المكان صحراء جرداء فلم يمنعه او ينازعه عليها احد بيد انه ظهر له من يطلب منه لبن ابل وبمقابل ادهش حسين فكان ذلك بداية لحرفة لم يمتهنها من قبل، فبيع اللبن لا وجود له في تقاليد واعراف اهله لكنه اضحى السكة الوحيدة ومصدر دخل هبط عليه من السماء فالمدينة ليست جغرافيا انما ثقافة
ازدهرت تجارة حسين الجديدة واصبح يرجع ليس الى باديته فحسب لشراء المزيد من الإبل لا بل الى بوادي السودان المختلفة وينتقى خيرة انواع الإبل واصبح له الآن مراح من الابل. ورغم كثرة مزارع الإبل التي انتشرت حول العاصمة الا انها جميعها لم تلب الطلب على مستخرجات الإبل التي لم تعد لحوما وكبدة ولبنا ووبرا فقط بل حتى روث الإبل وبوله لا مؤاخذة هناك من يحجزه حجزا لزوم العلاج والتجميل والتخسيس وحاجات تانية حامياني. سوق منتجات الإبل لم يعد محليا بل عالميا وبشيء قليل من دولتنا (المقهية) يمكن أن تكون عائدات التجارة من الإبل ومنتجاتها دولارات اكثر مما يدره 350 الف برميل يومي من النفط ناهيك عن 150 الف برميل تنقص كل يوم.
حكى لي حسين وعلى الهواء في برنامج مبادرات الذي بثته قناة النيل الازرق في زمن مضى انه كان يشتري الواحد من الإبل بمبلغ يقل عن الالف جنيه والآن لديه بل يشتري الواحدة بما يقارب العشرين، سألته عن اثر ذلك في المناطق التي تربى فيها الإبل فقال لي انها قد تغيرت تغييرا كبيرا واصبحوا يهتمون بتربية الإبل ليس كمظهر اجتماعي انما لاسباب اقتصادية واخذوا يميلون الى الاستقرار بدلا من الترحال لانهم يملكون ما يبنون به المنازل ويحفرون به الحفائر والآبار فالسوق هو كيمياء الاستقرار.
كما هو معلوم أن السودان من اكبر دول العالم تربية للإبل لا ينافسه في المركز الاول الا الصومال التي تنافسنا كذلك في المركز الاول في الفوضى وفي الفساد وهذه قصة اخرى . الأبالة في السودان يشكلون نسبة مقدرة من سكانه فالآن ما يفعله حسين يعقوب وأضرابه انهم يقومون بتحويل اولئك الناس من الاقتصاد التقليدي الى الاقتصاد الحديث، انهم ادخلوا ذلك القطاع في دورة البلاد الاقتصادية بعد أن كانت فاقدا اقتصاديا. إن ما يفعله حسين واضرابه هو نفس الذي فعله الانجليز عندما انشأوا مشروع الجزيرة واقاموا السكك الحديدية وكل عمليات التحديث الاقتصادي. ويتفوق حسين على الانجليز انه فعل ما فعل بكل هدوء وبدون تخطيط او مساعدة من الدولة وبدون اي آثار جانبية اذ لا ضرر على اي جهة؛ المستهلكين والبائعين والمتاجرين فيها، فالمعادلة كلها كاسب كاسب كاسب وليس هناك خاسر كما الحال في الجزيرة مثلا حيث خاسر وهو المزارع وهذه قصة اخرى.
لو اهتم عبد الرحمن الخضر بمزارع الإبل حول العاصمة وتوسع فيها وقدم لها شيئا من التمييز والتحفيز بما يعرفه هو كبيطار قبل أن يكون واليا لن يخدم ولايته فحسب بل سوف يغير حياة اناس كثيرين يبعدون عن العاصمة مئات الكيلومترات وهم رعاة ومربو الإبل.
هذا المقال بمناسبة مؤتمر ابحاث الإبل المنعقد حاليا بالخرطوم.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]