حكى لي احد الدهابة (هل تحتاج لشرح ؟) المتجولين على ولايات السودان المختلفة انه عندما اراد الذهاب لمناطق الذهب اول مرة ذهب الى الخرطوم بحري تحديدا حلة كوكو حيث كانت العربات البكاسي ذات الدفع الرباعي مصطفة للذاهبين الى وادي العشار وكان يصيحون قائلين (ودع فقرك واركب) و(اسرع قبال الغنى يفوتك ) و(اسرع اسرع حظك راجيك) فما كان من صاحبنا تحت تأثير تلك النداءات المشجعة إلا أن قطع تردده ودفع السبعين جنيه وركب وعندما وصل الى هناك وجد ذات البكاسي مصطفة راجعة الى بحري والكماسرة يصيحون (اهلك اهلك قبال تهلك) فالمشتغلون بحركة النقل كل همهم منصب على الركوب واخذ المقابل ولكن مفارقتهم هذه تشير الى واقع حقيقي وهو بعد المسافة بين اغراءات الذهاب الى مناطق التعدين الاهلي والمخاطر الموجودة هناك.
لقد اصبح الذهب اسما في حياتنا ترك الناس له الزراعة والاغتراب والتجارة كل حسب رأسماله فهناك من استثمر فيه عضلاته فقط وهناك من استثمر فيه الملايين وهناك من كب فيه المليارات اي كل حسب قدرته وطموحاته والدولة من جانبها اراقت على مناجمه دم العملة السودانية حيث طبع بنك السودان الاوراق بدون مقابل لشراء اكبر كمية وبسعر الدولار في السوق الاسود ليعوض نقص العملة الصعبة في خزينة الدولة (لا ادري عما اذا كانت هذه السياسة سوف تستمر بعد أن جرى النفط في الانبوب ام لا ؟)
ليست هناك احصاءات معتمدة توضح عدد الدهابة في السودان فقد وقفت على تقديرات مختلفة اقلها مليون مواطن واكثره ثلاثة ملايين وهذ يعني انه في كل الاحوال اصبح نشاطا اقتصاديا لا يمكن الاستهانة به بأي حال من الاحوال وله من الايجابيات والسلبيات ما يستدعي تدخل الدولة لتنظيمه ولا تكتفي بتدخل المحليات التي تبالغ احيانا في فرض رسومها وجبايتها بحجة توفير الامن والسلامة والصحة . لابد من دراسة اقتصاديات الذهب دراسة وافية ولابد من توجيهه نحو التنمية الشاملة لمناطق التعدين وللمشتغلين بالتعدين ومن ثم لكل السودان في بعض مناطق التنقيب (بالمناسبة هل توجد خريطة توضح كل مناطق التنقيب في السودان؟) المهم في بعض هذه المناطق توجد اليوم مشاكل حقيقية (خليك من جبل عامر فهذه قد وجدت حظها من الاعلام ونتمنى أن تجد حظها من الحلول) فهناك تأثير كبير ومباشر على الرعى وتأثير غير مباشر على الزراعة وهناك تدهور بيئي حقيقي لن يتوقف اثره على مناطق التعدين وحدها وهناك مخاطر فردية تصيب المعدنين من جراء استنشاق الزئبق وغازات اخرى لقد نشأت مدن عشوائية يباع ويشترى فيها كل شيء، وانا ما بفسر وانت ما تقصر، وعلى حسب محدثي أن الخطورة الحقيقية لذلك النشاط تظهر عندما تقل او تنفد كمية الذهب في المنطقة التي عمرت بالدهابة فيحين اوان الرحيل اذ يرتد الفقر بسرعة مذهلة ويصبح اثره اشد وانكأ ومن الفقر الذي كان سائدا قبل التعدين.
وهنا لابد من الاشادة بالغوص والتقصي الصحفي الرائع الذي قام به الاستاذ الزميل القذافي عبد المطلب ونشرته هذه الصحيفة والذي جاء فيه الكثير المثير المفيد للدولة اذا ارادت أن تضع سياسة ذهبية تثمن الايجابيات وتدرأ او على الاقل تقلل السلبيات .
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]