في العام الحالي الذي هو الرابع منذ ابرام اتفاق للسلام بين الجنوب الذي يغلب على سكانه المسيحيون والشمال حيث المشروبات الكحولية محرمة بموجب الشريعة الاسلامية سيحصل الجنوبيون على الجعة الخاصة بهم من اول مصنع بالمنطقة تبنيه شركة سابميلر لصناعة الجعة.
وتغطي حظيرة ضخمة غلايات عملاقة وأطنان من الشعير الجاهز لبدء تخميره وهي جعة معتقة ذات نسبة كحول منخفضة تأمل سابميلر أن تستعملها أعداد لا حصر لها من الحانات والمطاعم في جوبا عاصمة جنوب السودان.
وقال جون كي بانجوير وكيل وزارة التجارة بالجنوب لرويترز “انها خطوة كبيرة الى الامام وعلامة على التنمية وتظهر ثقة في السلام… هذه هي الدولة الوحيدة التي لها نظامان يعملان.”
وأعمال العنف المستمرة في دارفور بغرب السودان منفصلة عن الحرب الاطول كثيرا التي دارت بين شمال السودان وجنوبه غير أن هناك مخاوف من أن أمرا أصدرته المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب يمكن أن يساعد في اعادة اشعال الصراع بين الشمال والجنوب.
وقال ايان السوورث ايلفي مدير مصنع الجعة التابع لشركة سابميلر لرويترز “التنمية أساسية لوقف الصراع.”
وشركة سابميلر التي هي اصلا من جنوب افريقيا وتتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها هي ثاني اكبر شركة للجعة في العالم ولها حصة نسبتها 90 في المئة في جنوب افريقيا وفي عمليات بتنزانيا وانجولا وبوتسوانا واوغندا.
وعلى غرار منافستها دياجيو التي حققت الجعة التي تنتجها وتحمل اسم جينيس نجاحا في نيجيريا شهدت سابميلر نموا مستمرا في افريقيا بينما أدت الازمة الاقتصادية الى تباطؤ الاسواق الغربية الناضجة.
وكانت قد أعلنت عن استثمار قيمته 40 مليون دولار في جنوب السودان في ديسمبر كانون الاول مشيرة الى أنه منذ ابرام اتفاق السلام استنفد جنوب السودان منتجاتها من اوغندا وقالت ان الوقت موات لاستغلال هذا الطلب مباشرة والتقدم على المنافسين.
وأشعلت الاختلافات الايديولوجية والثقافية والدينية والنفط الحرب لكن تعميم الخرطوم تطبيق الشريعة الاسلامية في أنحاء السودان عام 1983 أشعل تمردا بالجنوب بدأ في نفس العام وتصاعد سريعا.
وتقود جماعة التمرد الرئيسية السابقة الجنوب الان والذي يتمتع بشبه حكم ذاتي بموجب الاتفاق. وفي ظل امتلاكه حصة نسبتها 50 في المئة في عائدات النفط الحكومية البالغة نحو 1.5 مليار دولار سنويا يحاول الجنوب ببطء بناء الطرق والمدارس والمستشفيات التي يفتقر اليها.
وقد تخلص بالفعل من جميع البنوك الاسلامية وحلت الانجليزية محل اللغة العربية كلغة رسمية ووضع منهجا تعليميا علمانيا خاصا به للمدارس. وسيضيف انتاج الكحوليات درجة أخرى من الانفصال عن الشمال.
وقال بانجوير “هذا ما كنا نقاتل من اجله وبالتالي نحن أحرار نفعل ما نشاء.” واعتبر مسؤول اخر المصنع المزمع اقامته جزءا من تطبيق اتفاق السلام.
ومع تدفق الموظفين الحكوميين الجدد وعمال الاغاثة بعد ابرام اتفاق السلام وفي ظل أنه ليس هناك شيء يذكر لينفقوا أموالهم فيه في اوقات الفراغ فانهم يغذون طفرة في المطاعم والمقاهي.
لكن السوورث ايلفي يقول ان الحانات الاصغر وعددها اكبر وأقل رسمية بالبلاد وتكون عادة مبنية من ألواح معدنية وخيزران وتبث الموسيقى الكونجولية والاوغندية هي التي ستكون اساسية لنجاح المشروع.
وهي تبيع عبوات بلاستيكية من المشروبات الكحولية والجعة من اكثر من عشرة انواع او نحوها متاحة حاليا وانتشرت في الجنوب منذ جعل تحقيق السلام بيعها قانونيا.
وعادة يدفع المستهلكون ما بين أربعة (نحو دولارين) وستة جنيهات سودانية للزجاجة لكن أسعار الجملة تتفاوت تبعا لمدى توافرها. وقال السوورث ايلفي ان توافر جعة سابميلر ارخص ثمنا بشكل مستمر سيعطيهم ميزة كبيرة.
وأضاف أنه واثق من أن الماركة الجديدة المصممة لتكون “مألوفة” لسكان الجنوب ستكون جذابة. ولا يزال الاسم وتصميم الملصق سرا غير أن النقطة الفنية الخاصة بتسجيل العلامة التجارية للجعة أنهكت محامي سابميلر.
وأشار السوورث ايلفي “لا يمكن تسجيل علامة تجارية لمنتج كحولي في الخرطوم.”
ومن بين التحديات الاخرى البنية التحتية المدمرة بما في ذلك شبكة سيئة للغاية من الطرق ويقول السوورث ان الشركة نجحت في التعامل مع هذه المشكلة من قبل في انجولا على سبيل المثال.
وتأمل سابميلر ان يستطيع المزارعون الجنوبيون في نهاية المطاف توفير الذرة الرفيعة لكن اليوم كل شيء من السكر الى الشعير الى 3.2 مليون زجاجة سعة 500 ملليلتر للواحدة يجب نقلها عبر طرق وعرة من كينيا واوغندا.
وتتوافد عشرات الشاحنات على جوبا اسبوعيا محملة بالصناديق. والضريبة على الكحوليات توازي الضريبة على أي سلعة أخرى غير أن سائقين يقولون ان حمولتهم كثيرا ما تخف عند الكثير من نقاط التفتيش العسكرية غير الرسمية.
ولا تنتج مولدات الكهرباء في جوبا ما يكفي من الكهرباء للاستخدام المنزلي ناهيك عن الكهرباء اللازمة للصناعة.
كما تمثل المياه مشكلة. ومن ضمن ميزانية المشروع مضخة وخط انابيب طوله 4.8 كيلومتر من نهر النيل الى المصنع ومركز لمعالجة المياه.
ويرى البعض مفارقة غير سارة في انشاء المصنع الجديد حيث ينتج الجعة التي كثيرا ما يسيء استخدامها من دمرتهم الحرب. ويقول الباحثون في بعض المناطق انهم وجدوا قرى ثملة بأكملها بحلول منتصف اليوم. كما ان القطاع الحكومي مبتلى بادمان الكحوليات.
وقال بانجوير “حتى الاطفال يشربون. لا نعلم كيف نقضي على هذه المشكلة.” وحاول المسؤولون في جوبا اغلاق الحانات اثناء ساعات العمل الرسمية لكن في ظل ضعف الشرطة وجدت الادارة أن تطبيق هذا صعب.[/ALIGN]