“بشار بن برد” شاعر قتلته كلمة “حس”!

[JUSTIFY] كفيف منذ ولادته، دميم الخلقه، طويل، ضخم البنيان، هكذا كان شاعر مدينة البصرة وفاتنها بشار بن برد، الذى قتل لاتهامه بالكفر والزندقة.

كان بشار بن برد (714 – 784)، جريئا فى الاستخفاف بكثير من الأعراف والتقاليد، وكان إلى جانب جرأته فى غزله يهجو من لا يعطيه، وكان قد مدح الخليفة المهدى فمنعه الجائزة فأسرها بشار فى نفسه وهجاه هجاء عنيفا بل وهجا وزيره يعقوب بن داود.

كان المهدى قد وصل إلى البصرة فدخل عليه وزيره يعقوب، وقال: “إن بشار زنديق وقد ثبتت البينة وقد هجا أمير المؤمنين”، فأمر قائد الشرطة أن يقبض على بشار بن برد، ويضربه بالسوط حتى يقتله”.

فأخذوه فى زورق وجسلوا يضربونه على النهر، فكلما ضربوه بالصوت قال بشار “حس” وهى كلمة تقال عند العرب لمن أحس بالألم، فقال بعضهم: “انظروا إلى زندقته مانراه يحمد الله تعالى، فقال بشار: ويلك! أطعام هو حتى أحمد الله عليه، فما وصل إلى السبعين سوطا حتى أشرف على الموت، فأُلقى على صدر السفينة حتى مات.

روى بشار عن نفسه انه انشد أكثر من اثني عشر الف قصيدة ولكن ما وصل الينا من شعره لا يرى في هذا القول سوى مبالغة هائلة فشعره ليس كثير أو يعلل بعض من يرون ان ما وصل الينا اقل بكثير مما قاله بشار. ان الرقابة الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره قد حذفت كثيرا من شعره بعد وفاته وهو متهم في معظمه خاصة في الغزل والهجاء.

عرف بشار بنمطه يجلس فيما يشبه الصالون العصري يتقبل النساء الراغبات في سماع شعره أو المغنيات اللواتي حفظن هذا الشعر ليتغنين به والغرض الثاني هو المديح فانه الوسيلة التي يمكن أن تدر عليه المال الذي يحتاجه لينفقه في ملذاته ولذا كان مبالغا في مدائحه طمعا في رضا الممدوح لإغرائه بالعطاء والغرض الثالث هو الهجاء وكان بشار شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عن عطائه وقد كان بشار يرتاد مجالس اللهو والغناء يقول في مغنية:
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا
ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قلت احسنت يا سؤلي ويا املي فاسمعيني جزاك الله احسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس احسن من هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فقلت احسنت انت الشمس طالعة اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
فاسمعيني صوتا مطربا هزجا يزيد صبا محبا فيك اشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة أو كنت من قضب الريحان ريحانا
حتى إذا وجدت ريحي فأعجبها ونحن في خلوة مثلت إنسانا
فحركت عودها ثم انثنت طربا تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
أصبحت اطوع خلق الله كلهم لاكثر الخلق لي في الحب عصيانا
قلت اطربينا يا زين مجلسنا فهات انك بالاحسان اولانا
لو كنت اعلم أن الحب يقتلني اعددت لي قبل أن القاك اكفانا
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا يذكي السرور ويبكي العين الوانا
لا يقتل الله من دامت مودته والله يقتل اهل الغدر أحيانا

هذه الأبيات نموذج دال على غزل بشار بن برد هذا الغزل الذي يتسم بالرقة والبساطة والحواريات التي تعبر عن شخصية اجتماعية تؤثر الجلوس والائتناس في مجالس الغناء واللهو وقد ضمن بشار قصيدته بعض ابيات لجرير مثل البيت الثاني والبيت الرابع ويبدو أن بشار كان مولعا بجرير فقد حاول في مطلع شبابه ان يهجوه حين كان العصر عصر هجاء والمعروف بالنقائض بين جرير والفرزدق لكن جرير استصغره ولم يرد عليه وقد تحسر بشار لان جريراًلم يرد على هجائه لانه كان يطلب الشهرة حيث كان جرير شاعرا يملأ الساحة الشعرية الأموية ويبدو أن بشار ظل على حبه لجرير لانه طلب من المغنية ان تغني ابياته التي يقول فيها: ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يبدو أنه كان يتخذ هذا الحديث عن جرير تعلة لإعلان شأن نفسه، كما حاول ذلك في صباه فقد جعل المغنية ترد عليه في القصيدة فتقول له انها ستغني شعرا أفضل من هذا وقالت البيت المشهور لبشار – يا قوم اذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين أحيانا- وهكذا يظل بشار مفتونا بشعره وبالنساء وبالحياة التي اقتحمها معبرا عن الاقتحام ببيته الذي يقول فيه:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج.

صحيفة المرصد
خ .ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version