محمد قسم الله: مسابقة مشروعي.. بين الإنتقائية والدعائية

لم تكنْ مسابقة مشروعي التي طرحتها شركة سوداني ضمن آخرين وأُعلنتْ نتائجها مؤخراً إلا حملة دعاية كبيرة ممزوجة بانتقائية قائمة علي التصنيف الطبقي .. نعم تصنيف طبقي (بخشم الباب) حيث اختارت المسابقة مشروعات مكلفة لم تكن متاحة إلا لأفراد يتمتعون بموقف مالي مميز نوعاً ما. حتي السمت العام للمشاركين لم يكن يُوحي أنهم من (ذوات الشمس الحارة). في الحد الأدني لم يكن حتي صياغة الأفكار علي النحو الذي تطلبه الجهات الراعية للمسابقة متاحاً للجميع. الإنتقائية التي صنعتها مطلوبات التنافس جعلت العشرات يبتعدون أو أبعدتهم المطلوبات قسراً.

والحال هكذا لم يكن بوسع أي شاب يسكن أطراف المدينة عيونه عسلية (ينتعل سفنجه) أن يشارك وفق اشتراطات المسابقة التي تبدو أجواؤها المخملية حصرية علي فئات بعينها. السؤال هنا لماذا لا تكون مسابقة مشروعي متاحة للجميع؟!

ولكيما تكون متاحة لابد من البساطة في كل شئ إبتداءاً من استمارة التقديم إلي نوعية المشروعات نفسها التي لا يشترط فيها زخم الأفكار بقدر فائدة الفكرة نفسها حتي ولو كانت فكرة تصنيع قطع غيار سيارات لميكانيكي بسيط في المنطقة الصناعية تتلطخ يده بالزيوت وبالكاد (يفك الخط).

أجهضت مسابقة مشروعي هدفها المنشود حين انتقت مشاركاتها ثم اعتمدت علي الدعاية الكثيفة علي حساب الجدوي للأفكار المطروحة وكأنّ الأمر كان يرنو فقط للترويج والدعاية فقط لشركات بعينها. مسابقة مشروعي لم تكن اكثر من دعاية مبتكرة تتفادي الأساليب التقليدية للشركات ومنتجاتها في اجتذاب انتباه المستهلك مستخدمة في ذلك دغدغة آمال وتطلعات الشباب وحتي من بين الشباب أنفسهم مارست نوعاً من الإنتقائية إلي جانب هدفها الأساسي في الدعائية والترويج.

مئات الشباب السوداني يقضون نهاراتهم جيئة وذهاباً بحثاً عن فرصة عمل تجعلهم مشاركين في الحياة ينفعون وينتفعون بعملهم.. المئات من الشباب يبحثون عن تمويل أصغر في البنوك بغية مشروع صغير يغنيهم العطالة وأهوالها وقد باتت العطالة في أوساط الشباب والخريجين غولاُ ينتظر ان يخرج من قمقمه حينها لا يرعي إلّاً ولا ذمَّة.
لم يكن الشباب السوداني بقطاعاته العريضة ينتظر أفكار مشروعي المخمليَّة .. لم يكن الشباب السوداني ينتظر اشتراطات مسابقة مشروعي وأفكاره الورديَّة .. لم يكن الشباب السوداني ينتظر أن تمارس مسابقة مشروعي عملية (فرز الكيمان).

المشروعات التي رأيناها علي التلفزيون في (دعايات) مشروعي ليست نابعة من شبابنا وواقعهم الموسوم بالعنت، لكنها مشروعات مع تقديرنا لأصحابها واجتهادهم بعيدة عن واقعنا فما معني مشروع يبحث عن لحم النعام ونحن لا نجد لحم (البقر المجوك) ومشروعي تمنح جائزتها للعشبة النيلية ونحن تعجزنا الإستفادة من مياه النيل بحالها في مشروع الجزيرة حين تعطش العروة الصيفية قبل الحصاد ولا نعرف كيف نستفيد من مياه النيل دعك من عشبة النيل.. يا سادتي فلنكن اكثر واقعية ودعونا من الافكار الوردية والصالات المخملية. نحن نبحث عن (لقمة كسرة) وجرعة دواء. لقد كان الأقرب مشروع المتسابقة الطبيبة الصيدلانية التي طرحت فكرتها عن الأعشاب الطبية لكن لجنة التحكيم استبعدتها بعد أن (أحرق) مُقدِّم البرنامج الدعائي أعصابها في محاكاة سمجة وممجوجة لبرامج الآخرين في القنوات العربية وهذا موضوع آخر. ولجنة التحكيم نفسها لم تكن موضوعية في أحكامها ولم تكن متخصصة بما يكفي لاستبعاد هذا وتمرير ذاك وعلي أية معايير تم اختيار لجنة التحكيم هذه إبتداءاً إذا قبلنا جدلاً جدوي المشروعات المطروحة.وكانت الكارثة أن يُتم إختيار الفائزين عبر التصويت ليتشارك في هذا المتخصصين وغير المتخصصين فلربما يكون لهذا رهط يناصره فيبذل له عشرات الرسائل للتصويت دون أن يعرف الكوع من البوع.وربما يكون لمشروع أفضليته النسبية يخسر بفعل التصويت وخبط العشواء.

كاتب هذه السطور تابع الإعلانات الأولي للمسابقة واشتراطاتها وقام بملء الإستمارة الإلكترونية بمشروع هدفه التشغيل والتجميل في آنٍ معاً قوامه مائة كشك صغير بتصميم خاص وأنيق عليها شعارات المؤسسات والشركات المشاركة في مسابقة مشروعي تتوزع هذه الاكشاك المائة في نواصي وشوارع ودمدني، تحديداً ودمدني لتضمن تشغيل مائة شاب علي الأقل يقومون بالعمل في هذه الاكشاك المتخصصة في توزيع الصحف اليومية والمجلات ومنتجات شركة الإتصالات الراعية للمسابقة وغيرها من منتجات الشركات الراعية ولو عبر الملصقات وكتيبات المنتجات لكن النشاط الرئيسي هو توزيع الصحف اليومية والمجلات في ودمدني وشوارعها ونواصيها لأنها تفتقر لأكشاك من هذا النوع ليس أكشاك بالمعني التقليدي لكن تصميم راقي لافت لا يأخذ حيزاً بقدر ما يُضفي ملمحاً جمالياً ويقدم خدمة مفقودة في ودمدني التي تفترش الصحف فيها الارض بينما تجد (دكاكين التمباك) مواقعها في النواصي ومنتصف السوق. قد يقول قائل إنها خدمة لشركات الصحف لكن لتنظر مسابقة مشروعي للهدف من تشغيل مائة شاب في مشروع واحد تحت إدارة واحدة يضفي جماليات علي المدينة كذلك ومظهرها العام. قمتُ بتعبئة الإستمارة وكل الفكرة و أهدافها الرئيسية والفرعية وأرسلتها، ومن يومها لم أسمع عنها شيئاً لا المسابقة ولا الإستمارة حتي رأينا مسابقة مشروعي في شكلها النهائي بالتلفزيون، الذي أرجوه من القائمين علي مسابقة مشروعي أن يرجعوا لي (استمارتي) بما فيها من هرطقات وهترشات مع احتفاظي بحقوقي الفكرية لهذا المشروع جراء النشر حتي لا تختطف فكرتي علي (بلاهتها) جهة ما في يوم ما فتنفذها في ودمدني أو غير ودمدني كما أرجو أن لا يظن بي القائمون علي مسابقة مشروعي غبناً يجرجرني إلي كتابة هذا المقال لكن ثمة ما يُقال عن واقع الحال. أقول هذا حتي لا يتهمونني بما ليس عندي ولعل هذا يذكرني بحكاية يرويها طلاب مدرسة رفاعة الثانوية بنين في سنوات سابقة عن صول المدرسة الذي أزعجه هروب الطلاب عبر حائط خلف المدرسة قام الصول بتكسير الحائط وترك المدرسة بلا حائط ثم جمع الطلاب في طابور وقال (أها يا طلبه الحيطة وكسرناها نشوفكم تاني بتنطوا بي وين؟) وهكذا فانا أكسر عن نفسي مسبقاً تهمة شخصنة الأشياء حتي لا تُستخدم في ردود العلاقات العامة كما نراها في صحف الخرطوم بين الفينة والفينة ولنري بماذا يرمون من يخالفهم الرأي.

إنّ مسابقة مشروعي كان حريٌّ بها ان تكون قريبة من إحساس الناس لا أن تبتني لنفسها برجاً عاجياً تنعزل فيه بمخملياتها، تنظر للغالبية الكادحة من فوق كما نظرت ماري انطوانيت للشعب الجائع ونصحتهم باكل الجاتوه حين لم يجدوا الخبز الحاف هكذا مسابقة مشروعي تطالب الشباب بأكل الجاتوه والشباب يبحث عن تمويل أصغر فلا يجده .
غالبية السودانيين بطبيعتهم يحبون البساطة اما طبيعة مسابقة مشروعي التي تركت إنطباعاً في الأذهان انها مصممة لفئة برجوازية من الشباب هم من شاركوا فيها ..شباب مقتدرين مالياً هم في حقيقة الامر الذين تنافسوا في المسابقة أما الذين لا يمتلكون غير الأحلام فقد بقوا يكابدون الآلام إلي حين إشعار آخر ومسابقة أخري تراعي رقة الحال مسابقة تقترب من أحلام الشباب دون متاريس.. مسابقة تحكمها الموضوعية والتلقائية والمباشرة ..مسابقة تخاطبهم من القلب للقلب ببساطه يشتهر بها السودانيون تستنطق المهارات الفردية والجماعية والأفكار المخبوءة .. مسابقة لا تحتفي بالأرستقراطية والليالي المخملية و(برجزة الأشياء).. مسابقة في الساحات المفتوحة يدخلها الجميع أنا وانت وأبكر العجلاتي.

بقلم/ محمد قسم الله محمد إبراهيم
[email]khaldania@yahoo.com[/email]

Exit mobile version