محمد سيد أحمد المطيب : ماذا يعني الطغيان الحالي للشكلي على الجوهري في قضية الأقطان ؟

[JUSTIFY]مواصلة لما ذهبنا إليه أمس من استعانة بالمأثور في التراث الإسلامي عن العصر الذهبي، وذلك في معرض التعليق على ما يحدث الآن بشأن قضية شركة السودان للأقطان، وما حدث فيها من ممارسات تفوح منها رائحة فساد فاضحة وصادمة، مما أدى لإحالة الوقائع التي تشير إليها وتشي بها إلى مسعى لإقرار العدالة بشأنها في ساحة المحاكمة والتحكيم من الناحية الجنائية والمدنية على النحو الذي يجري ويثير الكثير من الذي يتصل به في الوقت الحالي.. نشير اليوم إلى القصة المنسوبة إلى أحد الأئمة البارزين في عهد التابعين الذين عاصروا الصحابة المتأخرين بعد رحيل خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو الشيخ الصوفي الكبير والشهير بالعلم الغزير في بحور الدين الحسن البصري، حيث ورد عنه أنه كان في الكوفة بالعراق عندما تعرض لسؤال من بعض المسلمين هناك آنذاك عما إذا كان دم البعوض يعتبر من مبطلات الوضوء، أم أنه يمكن لمن قتل بعوضة تعرض لقرصة أو عضة منها وسالت الدماء الطفيفة منها على جسمه أو ملابسه أن يؤدي صلاته دون حاجة إلى تجديد وضوئه بعد أن يقوم بغسل تلك الدماء لإزالتها.

وكما ورد في تلك القصة المشهورة والمأثورة عن العصر الذهبي في التراث الإسلامي، فقد كانت الإجابة التي أدلى بها إمام عهد التابعين المعاصرين للعصر الأخير في حياة الصحابة المتأخرين بعد عهد النبوة وفترة حياة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم هي أنه ذهب للأعراب عن مدى تعجبه ودهشته بشدة، وبرر ذلك أن تساءل موجهاً حديثه لمن عرضوا عليه ذلك السؤال من أهل العراق في الكوفة حينها وذلك بقوله لهم إنه لما يثير العجب أنكم قد صمتّم وسكتم عن دماء الشهيد الحسين ابن الإمام علي ثالث الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، ولم تسألوا عن مدى حرمتها، كما لم تثوروا من أجلها، بينما تحرصون الآن على السؤال عن دماء البعوضة، وتسألون عن مدى تأثيرها على الوضوء والطهارة اللازمة لأداء الصلاة!!

وكما هو واضح من هذه القصة فإن الدلالة ذات المغزى البعيد المدى التي تنطوي عليها هي أن الإمام الحسن البصري لم يكن يرى فائدة في مثل ذلك السؤال من حيث أنه يعني طغيان الاهتمام بالشكلي وإهمال أو إغفال الجوهري في ترتيب الأولويات المتعلقة بالتعبير عن الدين وضرورة الالتزام به والحرص عليه والأهمية البالغة للدفاع عنه.

ومثلما ذكرت أمس بشأن قصة مصحف ابن دينار الذي تمت سرقته من قبل شخص كان بين الحاضرين لموعظة مؤثرة أدلى بها ابن دينار وهو يتلو من ذلك المصحف عن ضرورة التقوى والخشية من رب العزة والجلالة المولى سبحانه وتعالى، وقد كانت تلك الموعظة مؤثرة للدرجة التي جعلت جميع الحاضرين لها يذرفون الدموع الساخنة، فإن السؤال الآن فيما يتعلق بما يدور بشأن قضية الأقطان، وما حدث فيها من فساد لم يعد يخفى على أحد هو يا ترى هل سيؤدي التصاعد الحالي للصراع بين الأطراف المعبرة عنها والمتدخلة فيها إلى ظهور المسروق وبروز السارقين؟ أم أنه ربما قد تنتهي الأمور في خا تمة المطاف ونهاية الطواف إلى المزيد من ذر الرماد في العيون، ثم يكون ما يكون من استمرار للدوران في الحلقة المفرغة والدائرة الخبيثة والمآلات المهلكة.

صحيفة الإنتباهة
محمد سيد أحمد المطيب

[/JUSTIFY]
Exit mobile version