أمجد عرار: نكبة جنوب السودان

وحده ضحل المعرفة وضعيف التقدير من يعتقد أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والدول، لم تتوقّع الأوضاع المأساوية التي يعيشها مواطنو جنوب السودان بعد انفصالهم الذي كان بدوافع تآمرية خارجية، وإن كان هناك من تفسير لا يرقى إلى التبرير في احتياج الجنوبيين أنفسهم لهذا الخيار الصناعي أكثر من كونه طبيعياً . هناك كتاب ومحللون مغمورون توقّعوا أن يجري في الجنوب ما يجري حالياً .

الأمم المتحدة التي اعترفت بدولة للجنوب فور الانفصال، خرجت عن صمتها واتهمت المتمردين في الجنوب على حكومتهم بقتل مئات المدنيين في مجازر إتنية عندما سيطروا على مدينة بنتيو النفطية قبل أيام . المحققون توصلّوا إلى معطيات تقول إنه بعد سيطرة المتمردين على المدينة بدأوا بقتل كل من شكوا بأنهم ضدهم، وكانت النتيجة أن قتل حوالي مئتي إنسان في مسجد وأن الكثير من الأطفال قتلوا في كنيسة ومشفى ومجمع للأمم المتحدة، وأن مسلحين حرّضوا الرجال عبر الإذاعة على اغتصاب النساء من المجموعات القبلية المعارضة وطردها من المدينة . وسواء كان القتلة من المتمردين الذين نفوا الاتهامات، أو القوات الحكومية كما قال خصومها، فإن هناك مجازر وقعت على أيدي الجنوبيين أنفسهم، في حين أن المأساة لا تقف عند هذا الحد، حيث أن منظمة الطفولة “يونيسيف” تؤكد أن أكثر من 470 ألف طفل ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات يعانون سوء التغذية في جنوب السودان، منهم أكثر من 50 ألف طفل قد يتعرضون للموت نهاية العام الحالي .
عندما يكون هناك سبب لمشكلة ويزول، ينبغي منطقياً أن تزول المشكلة، فإذا كان اتصال الجنوب بالشمال سبباً لمآسي الجنوبيين، فمن المفروض، وفق هذا المنطق، أن تنتهي الأزمة بعد زوال السبب . لكن ما نراه أن أزمة الجنوبيين ازدادت، وبؤسهم تفاقم أكثر، وأن الجنوبيين الذين كانوا يقاتلون الشمال موحدين، أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم بعد أن انفصلوا، إذ أن تنحي “العدو” المشترك جانباً، أحيا التناقضات الإتنية القديمة التي كانت مستترة بسبب الحرب مع الشمال، ومن يملك الحد الأدنى من العلم بطبيعة الجنوب كان متيقناً أن هذه التناقضات ستنفجر، إذا لم تكمن لأسباب سياسية، فبسبب الكلأ والماء .

ولأن السياسة اقتصاد مكثّف، فإن ما يطفو على سطح المأساة الجنوبية من أسباب، يتعلق بالسيطرة على منطقة نفطية، ويتداخل العامل الإتني مع العامل الديني لينتج عنهما معاً صراع لا تبدو في الأفق نهاية قريبة له، مع أننا نتمنى أن يخيب توقّعنا، وألا تسفك بعد الآن قطرة دم واحدة، لا في الجنوب ولا في الشمال، ولا في أي مكان في العالم . ومهما يكن من أمر، فإن أول غيث التوقّعات تبدّى منذ بدايات الانفصال عندما تحدث الرئيس المستجد للجنوب كدولة سيلفا كير عن تهريب بعض المسؤولين الجنوبيين ستة عشر مليار دولار من المساعدات الدولية للخارج قبل أن تنفجر بالونات الاحتفالات بالانفصال . وإزاء هذا الواقع، ليس غريباً أن تظهر أصوات ممن طبّلت للانفصال، تطالب بعودة الجنوب المنكوب، للوحدة مع الشمال مجدداً، لأن ما خسروه من الانفصال لا تعوضه أمريكا ولا أوروبا ولا “إسرائيل” الداعمة الأولى للانفصال .
أمجد عرار–الخليج

Exit mobile version