لمن فاتهم (الاستماع) لابد من إعادة حكاية (جَنَا النديهة)؛ فهو ذلك المولود الذي جاء بعد طول انتظار وبعد الذهاب للفكي والتعهد له بدفع وقيَّة ذهب بعد الانجاب، وبعد الولادة يُحلَق للمولود ويترك فيه قنبور يظل ينمو إلى حين سداد الوقية الذي يشارك فيه الأهل والاقارب، والقنبور هو وسيلة الإعلام على مجمل الشغلانة، والتي من شروطها أن الطفل، جنا النديهة, في حالة أي مرض أو حتى توهم بالمرض يجب أن يذهب به إلى الفكي ولا لأية جهةٍ أخرى، لذلك، ومن كثرة الخوف عليه، وبالتالي كثرة تردده على الفكي، يظهر بمظهر المعتلّ الصحة.
اتفاقية التعاون بين السودان وجنوب السودان، والتي ظهرت إلى حيز الوجود بعد لَتٍّ وعجنٍ طويلين، وبدأ تطبيقها بعد خَرَاج روح، ومازالت الأيدي على القلوب خوفاً من أي طارئ يعيد الأمور إلى ما كانت عليه أيام اللكلكة والقومة والقعدة، بعبارة جامعة فهذه الاتفاقية تشبه (جنا النديهة) تماماً؛ فهي مازالت في حاجة ماسة للفكي (القوى الدولية)، ومازال قنبورها قائماً ووقيتها لم تُسَدَّد، ومع ذلك نجد بعض الأصوات الإعلامية هنا وهناك، وربما بقصدٍ أو ربما بغير قصد، تُصِيب هذه الاتفاقية وتعرضها للخطر؛ فتنتكس وترجعنا لمربع صفر مرة أخرى.
من الأمثلة التي اعتبرناها سهاماً موجهةً لصدر الاتفاقية تناول بعضنا لأخبار دولة الجنوب غير الطيبة؛ مثل قصة سرقة مليون أو ملايين الدولارات من منزل سلفاكير بجوبا، وقد تفننت فيه صحافتنا وأوردته بعدة أشكال تحريرية وبعضها صب عليه (كَبَّ عليه كوز كوزين موية). كذلك مقتل القائد بيتر قاديت من قبل مليشيات ياو ياو، فقد أوردته الصحافة بأشكال مختلفة لدرجة أن بعضها اتهم سلفاكير بالتؤاطؤ مع المتمردين عليه للتخلص منه، ثم حكاية وزير الدفاع الإسرائيلي الذي بعثَ مندوباً لجوبا لكي يعطِّل تنفيذ المصفوفة وهكذا. قد يقول قائل أن هذه الأخبار حقيقية تناقلتها أخبار جوبا الرسمية، فنقول نعم هذا صحيح ولكن طريقة العرض لا تخلو من الغَرَض؛ فإبراز الخبر وطريقة الصياغة ثم التحليل في ثنايا العرض والصور المصاحبة، كل هذ يشي بشكلٍ من أشكال الشماتة أو التقليل من قدر حكومة الجنوب، وفوق هذا قد يكون الذين يروِّجون لهذه الأخبار من جوبا نفسها مغرضون وغير صادقين وضد سلفاكير لأنه اتفق مع دولة السودان، فلماذا نبلع الطعم ونساعدهم؟ والأهم من كل هذا هل السودان القديم خالٍ من تلك الأمور التي تحدث في جوبا؟ المطلوب من الجمل أن يقف عند رقبته المعووجة.
أخبار الدول الشقيقة ودول الجوار تحتاج لمعالجة خاصة مراعاةً لخصوصية العلاقة، فقد تجد خبراً من دولة مجاورة يملأ الدنيا ويشغل الناس ولكن إعلام دولة معينة يتعامل به بخصوصية لخصوصية العلاقة بين البلدين؛ فعلى أيام مبارك، لا بل حتى على أيام مرسي هذه، نجد إعلامنا يتعامل مع أحداث مصر بقيود واضحة قد تكون من تلقاء الإعلاميين أنفسهم وليست سياسة دولة، نفس الشيء يحدث الآن في علاقتنا مع تشاد ومع إثيوبيا وإرتيريا، دعكَ من الدول الخليجية فهذه أي خبرٍ عنها فيه كدا ولا كدا يمكن أن يغلق الصحيفة بالضبَّة لأنها أساءت لعلاقة السودان الخارجية، إذن هناك مراعاة تامة لخصوصية تلك العلاقة مع بعض الدول وكل الجوار، فلماذا لا يحدث نفس الشيء في علاقتنا مع الجنوب؟ أليس هو بدولة جارة؟ ألم يكن السودان أول دولة تعترف بها؟ وتييب؟ من فضلكم ضعوا لأنفسكم سياسة إعلامية خاصة تجاه الجنوب إلى أن يتم حلق القنبور ودفع الوقية.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]