الخطيب وطوال زمن الحوار الذي قارب النصف ساعة أو يزيد ظل يدور حول استحقاقات التحول الديمقراطي وإلغاء القوانين المقيدة للحريات واقامة سلطة انتقالية. بل كان المدهش ان الرجل عاد سنوات الى الوراء وجّه فيها نقداً لما كان ينبغي أن يجري من تحول ديمقراطي فى أعقاب اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 2005م!
الرجل بدا وكأنه يعيش فى صفحات التاريخ القديمة لا يود الخروج منها ولا النظر الى الراهن فضلاً عن استكشاف المستقبل. وحين حاصره محاوره بأن كل ما يطالبون به من استحقاقات تحول ديمقراطي وإلغاء قوانين لن يتم إلا عبر الحوار -كأمرطبيعي وواقعي- حارَ الرجل جواباً ولم يستطع محاججة هذا السياق المنطقي الموضوعي، وحين سأله عن الكيفية التى يريدون بها اسقاط النظام إذا كان موقفهم من الحوار هو الرفض، فإن الرجل للمرة الثانية حار جواباً، ربما لإدراكه العميق أن اسقاط النظام إما عبر عبر العمل المسلح وهذا لا يمكن لحزب يحترم نفسه أن يقرّه كوسيلة؛ أو عن طريق ثورة شعبية وهذا هو المستحيل فى ظل تنادي جميع القوى السياسية للحوار الوطني.
والواقع إن أبلغ موقف يمكن محاكمة الحزب الشيوعي السوداني به جراء رفضه للحوار، هو (لا منطق) سكرتيره العام الذي ظهر به فى قناة الشروق فى تلك الأمسية الحزينة. فكيف لحزب سياسي عريق (سناً وخبرة) أن يرفض الحوار الوطني بلا مبررات موضوعية، فإن كانت هناك مطلوبات لتهيئة المناخ العام فقد أقرتها الحكومة بقرار رئاسي واضح المعالم ودخل حيز التنفيذ الفعلي على الفور حيث تم اطلاق سراح المعتقلين السياسيين واطلاق الحريات وحرية العمل السياسي والخطوات الأخرى ماضية الى الأفضل، وإن كانت هناك مطالبات أخرى حتى ولو تعلقت بعلمانية الدولة فإن مكان مناقشتها فى مائدة الحوار.
لم يقل أحد إن (الحد الأدنى) لأطروحات الحوار هي كذا وكذا ولم يحدد أحد سقفاً لهذه الأطروحات. من حق كل حزب أياً كانت رؤاه ان يناقش ما يروق له فى مائدة الحوار، فلماذا يتخوف الحزب الشيوعي السوداني -المالك لناصية الجدل والديالكتيك- من ولوج حلبة الحوار الوطني بكل هذه الدرجة من الخوف الغريب؟
إن الحزب الشيوعي -للتاريخ- تقاسم مع نظام مايو 1969 تجربته الشمولية الكاملة وفعل ما فعل قبل أن يجبره الرئيس الراحل النميري على دفع الثمن. الحزب أيضاً -للتاريخ- استولى على السلطة عسكرياً وارتكب ما إرتكب من المجازر التاريخية التى لا تنسى وإن كان من حسن حظه يومها أن لجان حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لم تكن قد رأت النور بعد.
حزب بهذا التاريخ المثقل بالاخطاء والخطايا والرزايا يأتي عليه حينٌ من الدهر يلبس لباس الواعظين وثياب الرهبان والكهنة السياسيين يزايد على الآخرين فى نبضهم الوطني ومصداقيتهم السياسية. حزب لا يجد حرجاً فى الإزدراء (بأغلبية الشعب السوداني) والتقليل من شأن ما تطمح اليه من حوارات تنتشل هذا البلد من وهدته.
لقد آذى الحزب الشيوعي السوداني -بهذا الحوار التلفزيوني- الشعب السوداني مرتين: مرة حين لم يقف موقفاً وطنياً مسئولاً حيال قضية الحوار الوطني، ومرة حين قدم سكرتيره العام ليعبر عنه فى هذا الحوار ليكتشف الشعب السوداني أن سكرتير الحزب لا يحسن إثنين: لا النطق ولا المنطق!
سودان سفاري
ع.ش