قبل ايام خاطب الرئيس البشير جمع من امانة المزارعين والرعاة في الحزب الحاكم..تحدث الرئيس في عدد من القضايا ..الأهم جدد الرئيس وعده السابق بعدم الترشح للرئاسة مجددا..لم يقف البشير عند ذلك بل وعد بنقل السلطة الى جيل جديد..تزامنت التصريحات مع خطوات جرئية في مجال الاصلاح السياسي نتج عنها موجة من الحريات لم تجد من يقطف ثمارها حتى اللحظة في عمل سياسي راشد.
الإحساس بمرحلة جديدة جعل مظاهرتين تخرجان من الخرطوم يوم الجمعة الماضية ..حيث خرج مواطنو منطقة الأزهري في مظاهرات شعبية تندد بأزمة مياه الشرب..جيرانهم في الخرطوم شرق وتحديدا في منطقة الجريفات كان لهم حظهم من التظاهرات المحتجة على توزيع اراضي سكنية بالمنطقة.. في مكان اخر وفي الخرطوم شمال دشنت المعارضة نشاطها بندوة ميدان الرابطة بشمبات..لم تسعف اللياقة البدنية *الحاج فاروق ابوعيسى زعيم قوي التحالف المعارض من إكمال حديثه وتم نقله لمشفى قريب لتلقي العناية الطبية.
بصراحة المؤتمر الوطني بدا جرعة من الإصلاحات بدات بالإطاحة برموز الحرس القديم ومن ثم خطاب الوثبة الذي كان مبهما ولكنه تحول لبرنامج عمل جيد ..رغم بعض الملاحظات الا اننا ليس بوسعنا سوى الاعتراف الصريح ان الرئيس البشير يقود البلاد في الاتجاه الصحيح..اخر المؤشرات قبول المؤتمر الوطني لرقابة دولية على عملية الحوار الدائرة واستعداده لقيام حكومة انتقالية مع *رغبته في الوقف الدائم لإطلاق النار في جبهات القتال المختلفة.
في تقديري ان على المعارضة ان تثمن هذه الخطوات وتطالب بالمزيد في ذات الوقت ..رفع سقف الحريات وتعديل القوانين سيئة السمعة يجب ان لا يكون منحة حكومية بل نتاج ضغط شعبي كثيف من الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والصحافة..حتى هذه اللحظة لم تتحرك المعارضة من مرحلة فرض الشروط المسبقة والتمترس خلف الشعارات..مثلا تفكيك نظام الانقاذ هل هو غاية ام وسيلة..بمعنى اذا حدثت عملية إصلاح سلمي انتهت بدولة مؤسسات فيها تبادل سلمي للسلطة ما حوجة الناس الى مخاض انتقال عنيف غير محمود العواقب.
رغم المناخ الإيجابي الا ان هنالك احتمالات للردة عن الاصلاح اذا امتنعت المعارضة عن التجاوب مع دعوات الحوار او حاولت التحالف مع الحركات المسلحة التي تبيح الحوار لنفسها عبر المنابر الخارجية وتخون من يستجيبون للحوار الداخلي ..مثل هذا التحالف الذي بدات بوادره سيكون استفزاز غير مبرر يعود بالبلاد للشمولية .
الخطر الاخر يأتي من داخل المؤتمر الوطني..حتى هذه اللحظة تبدو الخطوات الإصلاحية كانها مشروع شخصي يريد به الرئيس البشير ان يختم به حياته السياسية كما فعل الرئيس الشاذلي بن جديد في الجزائر..بمعنى ان أعداء الانفتاح في إستراحة محارب ينتظرون نهاية ولاية الرئيس الحالية ليعودوا للواجهة مرة اخرى بذات اجندتهم الشمولية.
من حسن الحظ ان الرئيس البشير لا يجلس على كرسي متحرك وبوسعه ان يجري جراحات واسعة داخل حزبه قبل ان يغادر الى منزله بضاحية كافوري.
عبد الباقي الظافر
(الصيحة)